والثاني : أنها حال من الخبيث ؛ لأن في الجملة ضميرا يعود إليه ، أي : لا تقصدوا منفقا منه.
والثالث : أنه مستأنف منه ابتداء إخبار بذلك ، وتمّ الكلام عند قوله : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) ثم ابتدأ خبرا آخر ، فقال : تنفقون منه ، وأنتم لا تأخذونه إلا إذا أغمضتم ، كأن هذا عتاب للناس ، وتقريع.
والتقدير : تنفقون مع أنكم لستم بآخذيه إلا مع الإغماض ، فهو استفهام على سبيل الإنكار. قال شهاب الدّين : وهذا يردّه المعنى.
فصل في بيان المراد من النفقة
اختلفوا في المراد بهذه النفقة : فقال الحسن : المراد بها الزكاة المفروضة (١) ؛ لأن هذا أمر ، والأمر للواجب.
وقال قوم : صدقة التطوع ؛ لما روي عن علي ، والحسن ، ومجاهد : أنهم قالوا : كانوا يتصدّقون بشرار ثمارهم ، ورديء أموالهم (٢) ؛ فنزلت هذه الآية.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال جاء رجل ذات يوم بعذق خشف فوضعه في الصّدقة. فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «بئس ما صنع صاحب هذا» (٣) فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال آخرون : المراد الفرض ، والنفل ؛ لأن المفهوم من الأمر ترجيح جانب الفعل على جانب الترك من غير أن يكون فيه بيان أنه يجوز الترك أو لا يجوز وهذا المفهوم قدر مشترك بين الفرض والنّفل ؛ فوجب أن يدخلا فيه ، فعلى القول بأنّه الزكاة فنقول : ظاهر الآية يدلّ على وجوب الزكاة في كل مال يكتسبه الإنسان ، من الذّهب ، والفضّة ، والتجارة ، وزكاة الإبل ، والغنم ، والبقر ؛ لأن ذلك مما يوصف بأنه مكتسب.
قال القرطبيّ (٤) : والكسب يكون بتعب بدن ، وهي الإجارة ، أو مقاولة في تجارة ، وهو البيع ، والميراث داخل في هذا ؛ لأن غير الوارث قد كسبه.
وقال ابن خويزمنداد : ولهذه الآية جاز للوالد أن يأكل من كسب ولده ؛ لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أولادكم من طيّبات ما كسبتم فكلوا من أموال أولادكم هنيئا» (٥).
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦١٢) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن محمد بن سيرين قال سألت عبيدة عن هذه الآية ... فذكره.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٦٢) عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٦١) عن عطاء بمعناه.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٠٨.
(٥) أخرجه أحمد (٦ / ٤١) والنسائي (٧ / ٢٤١) وأبو داود كتاب البيوع باب ٧٩ وابن ماجه (٢٢٩٢) ـ