ابن مسعود ، ومجاهد ، والسدّي : الطيب هو الحلال ، وعلى هذا ، فالخبيث هو الحرام.
حجة الأول ما ذكرنا في سبب النزول ، ولأن المحرم لا يجوز أخذه ؛ لا بإغماض ولا غيره ، والآية تدلّ على جواز أخذه بالإغماض.
قال القفّال (١) ـ رحمهالله ـ : ويمكن أن يجاب عن هذا بأن الإغماض : المسامحة ، وترك الاستقصاء ، فيكون المعنى : ولستم بآخذيه ، وأنتم تعلمون أنه محرّم ؛ إلّا أن ترخصوا لأنفسكم أخذ الحرام ، ولا تبالون من أيّ وجه أخذتم المال أمن حلال ، أم حرام.
واحتجّوا ـ أيضا ـ بقوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران: ٩٢] وذلك يؤكد أنّ المراد بالطيب هو النّفيس الذي يستطاب تملكه ، لا الخسيس الذي يرفضه كل أحد واحتجّ القاضي (٢) للقول الثاني : بأنّا أجمعنا على أن الطيّب في هذه الآية ؛ إمّا الجيد ؛ وإما الحلال ، فإذا بطل الأول ، تعيّن الثاني.
وإنما قلنا : بطل الأول ؛ لأن المراد لو كان هو الجيد ، لكان ذلك أمرا بإنفاق مطلق الجيّد سواء كان حلالا أو حراما ، وذلك غير جائز ، والتزام التخصيص خلاف الأصل ؛ فتعين الحلال.
قال ابن الخطيب (٣) : ويمكن أن يذكر فيه قول ثالث ، وهو : أن المراد من «الطّيّب» ـ هاهنا ـ ما يكون طيّبا من كلّ الوجوه ، فيكون طيّبا بمعنى : الحلال ، ويكون طيّبا بمعنى : الجودة ، وليس لقائل أن يقول إنّ حمل اللفظ المشترك على مفهوميه ، لا يجوز ؛ لأنا نقول : الحلال إنما يسمى طيّبا ؛ لأنه يستطيبه العقل ، والدّين ، والجيد : إنما يسمّى طيبا ؛ لأنه يستطيبه الميل ، والشهوة. فمعنى الاستطابة مفهوم واحد مشترك بين القسمين ، فكان اللفظ محمولا عليه. إذا ثبت أنّ المراد منه الجيد الحلال ؛ فنقول : الأموال الزكاتيّة إما أن تكون كلّها شريفة ، أو كلها خسيسة ، أو تكون متوسطة أو مختلطة ، فإن كان الكل شريفا ، كان المأخوذ بحساب الزكاة كذلك ، وإن كان الكل خسيسا ، كانت الزكاة كذلك ، أيضا ، ولا يكون ذلك خلافا للآية ؛ لأن المأخوذ في هذه الحالة لا يكون خسيسا من ذلك المال بل إذا كان في المال جيد ورديء ، فحينئذ يقال للإنسان : لا تجعل الزكاة من رديء مالك ، وأمّا إن كان المال مختلطا ، فالواجب هو الوسط ، قال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : «إيّاك وكرائم أموالهم» (٤) وأما إن قلنا : المراد صدقة التطوع أو كلاهما ،
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٥٤.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٥٥.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) أخرجه البخاري (٣ / ٤١٨) كتاب الزكاة باب أخذ الصدقة من الأغنياء (١٤٩٦) ومسلم (١ / ٥٠) كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (١٩) وأبو داود (١٥٨٤) والنسائي (١ / ٣٤٨) والترمذي (١ / ١٢٢) وابن ماجه (١٧٨٣) والدارمي (١ / ٣٧٩) وابن أبي شيبة (٤ / ٥) والبيهقي (٤ / ـ