تقول : أعمن الرجل : إذا أتى عمان ، وأعرق : إذا أتى العراق ، وأنجد : إذا أتى نجدا ، وأغار : إذا أتى الغور الذي هو تهامة.
أو من أغمض الرجل في أمر كذا : إذا تساهل فيه ، والغمض : المتطامن الخفيّ من الأرض ، فقيل المراد به في الآية المساهلة ؛ لأن الإنسان إذا رأى ما يكره أغمض عينيه ؛ لئلا يرى ذلك ، ثم كثر ذلك ؛ حتى جعل كل تجاوز ، ومساهلة في البيع ، وغيره إغماضا ، فتقديره في الآية : لو أهدي إليكم مثل هذه الأشياء ، لما أخذتموها إلّا على استحياء ، وإغماض ، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟! قاله البراء (١).
وقيل معناه : لو كان لأحدكم على رجل حقّ ، فجاءه بهذا لم يأخذه إلّا وهو يرى أنه قد أغمض له عن حقّه ، وتركه (٢).
وقال الحسن ، وقتادة : لو وجدتموه يباع في السوق ، ما أخذتموه بسعر الجيد ؛ إلّا إذا أغمضتم بصر البائع ، يعني أمرتموه بالإغماض ، والحطّ من الثمن.
ثم قال : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) والمعنى أنّه غنيّ عن صدقاتكم ، و «الحميد» أي : محمود على ما أنعم بالبيان.
وقيل : قوله : «غنيّ» كالتّهديد على إعطاء الرديء في الصدقات ، و «حميد» : بمعنى حامد ، أي : أنا أحمدكم على ما تفعلونه من الخيرات ، وهو كقوله تعالى : (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء : ١٩].
قوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٢٦٨)
قوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ...) الآية : مبتدأ وخبر ، وتقدّم اشتقاق الشيطان ، وما فيه عند الاستعاذة. ووزن يعدكم : يعلكم بحذف الفاء ، وهي الواو ؛ لوقوعها بين ياء ، وكسرة ، وقرأ الجمهور : «الفقر» بفتح الفاء ، وسكون القاف ، وروى أبو حيوة ، عن بعضهم : «الفقر» بضم الفاء وهي لغة ، وقرئ «الفقر» بفتحتين.
والوعد : يستعمل في الخير ، والشّرّ ؛ قال تعالى في الخير : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً) [الفتح : ٢٠] وقال في الشّرّ : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحج : ٧٢] ويمكن أن يحمل هذا على التهكم به كقوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١] فإذا لم يذكر الخير والشر ، قلت في الخير : وعدته ، وفي الشر أوعدته ؛ قال : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٥٥.
(٢) ينظر : المصدر السابق.