المقصود تعظيم حال هذه المغفرة ؛ لأنّ عظم المعطي يدلّ على عظم العطيّة.
قوله : «منه» فيه وجهان :
أحدهما : أن يتعلّق بمحذوف ؛ لأنه نعت لمغفرة.
والثاني : أن يكون مفعولا متعلقا بيعد ، أي : يعدكم من تلقاء نفسه.
و «فضلا» صفته محذوفة ، أي : وفضلا منه ، وهذا على الوجه الأول ، وأمّا الثاني ، فلا حذف فيه.
فصل
يحتمل أن يكون المراد من كمال هذه المغفرة ما قاله في آية أخرى : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) [الفرقان : ٧٠] ، ويحتمل أن يجعل شفيعا في غفران ذنوب سائر المذنبين (١) ، ويحتمل أن يكون المقصود أمرا لا يصل إليه عقلنا ما دمنا في دار الدنيا ، فإن تفاصيل أحوال الآخرة أكثرها محجوبة عنا ، ما دمنا (٢) في الدنيا.
وأمّا معنى الفضل ، فهو الرزق ، والخلف المعجّل في الدنيا.
ثم قال تعالى : (وَاللهُ واسِعٌ) ، أي : واسع المغفرة والقدرة قادر على إغنائكم (٣) ، وإخلاف ما تنفقونه «عليم» لا يخفى عليه ما تنفقون ؛ فهو يخلفه عليكم.
قوله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٢٦٩)
قال السّدّي : هي النبوة (٤).
وقال ابن عباس ، وقتادة : علم القرآن : ناسخه ، ومنسوخه ، ومحكمه ، ومتشابهه ، ومقدّمه ، ومؤخره ، وحلاله ، وحرامه ، وأمثاله (٥).
قال الضحاك : في القرآن مائة وتسع آيات ، ناسخة ومنسوخة ، وألف آية حلال وحرام ، لا يسع المؤمنين تركهن ، حتى يتعلموهنّ ، ولا يكونوا كأهل النهروان فإنهم تأوّلوا آيات من القرآن في أهل القبلة ، وإنما أنزلت في أهل الكتاب ، جهلوا علمها ، فسفكوا بها الدماء ، وانتهبوا الأموال ، وشهدوا علينا بالضلال ، فعليكم تعلم القرآن ؛ فإنه من علم فيما أنزل ؛ لم يختلف في شيء منه.
__________________
(١) في ب : الزنوب.
(٢) في ب : ما دامت.
(٣) في ب : عقابكم.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٧٩) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦١٦) وعزاه لعبد بن حميد عن ابن عباس.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٧٦) وزاد السيوطي نسبته في «الدر المنثور» (١ / ٦١٦) لابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس موقوفا.