وقال عمرو بن دينار : الوسط من غير إسراف ولا إقتار.
فصل في ورد العفو في القرآن
قال أبو العباس المقرئ : ورد لفظ «العفو» في القرآن بإزاء ثلاثة معان :
الأول : العفو : الفضل من الأموال قال تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) يعني الفضل من المال.
الثاني : «العفو» الترك ؛ قال تعالى : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٧] أي يتركوا ، ومثله : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ) [الشورى : ٤٠] ، أي: ترك مظلمته.
الثالث : العفو بعينه ، قال تعالى : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) [آل عمران : ١٥٥].
فصل
واختلفوا في هذا الإنفاق ؛ هل المراد به الواجب ، أو التطوّع على قولين :
الأول : قال أبو مسلم (١) : يجوز أن يكون العفو هو الزّكوات وذكرها هاهنا على سبيل الإجمال في السّنة الأولى ؛ لأنّ هذه الآية قبل نزول آية الصّدقات ، وأنزل تفاصيلها في السّنة الثّانية فالنّاس كانوا مأمورين بأن يأخذوا من مكاسبهم ، ما يكفيهم في عامهم ، ثمّ ينفقون الباقي ، ثمّ صار هذا منسوخا بآية الزّكاة.
القول الثاني : أنّ المراد به صدقة التّطوّع.
قالوا : لأنّه لو كان مفروضا لبين الله مقداره ، فلمّا لم يبيّنه ، وفوّضه إلى رأي المخاطب ؛ علمنا أنّه ليس بفرض.
وأجيب ، بأنه لا يبعد أن يوجب الله ـ تعالى ـ شيئا على سبيل الإجمال ، ثمّ يذكر تفصيله وبيانه.
قول تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ) الكاف في محلّ نصب : إمّا نعتا لمصدر محذوف ، أي : تبيينا مثل ذلك التّبيين يبيّن لكم ، وإمّا حالا من المصدر المعرفة ، أي : يبيّن التبيين مماثلا ذلك التّبيين. والمشار إليه يبيّن حال المنفق ، أو يبيّن حكم الخمر ، والميسر ، والمنفق المذكور بعدهما. وأبعد من خصّ اسم الإشارة ببيان حكم الخمر ، والميسر ، وأبعد منه من جعله إشارة إلى جميع ما سبق في السّورة من الأحكام.
و «لكم» متعلّق ب «يبيّن». وفي اللّام وجهان ، أظهرهما أنّها للتبليغ كالتي في : قلت لك.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٤٣.