والصّدقة : قال أهل اللغة : موضوع : «ص د ق» على هذا الترتيب للصحة ، والكمال ومنه قولهم : رجل صدق النّظر ، وصدق اللقاء ، وصدقوهم القتال ، وفلان صادق المودّة ، وهذا خلّ صادق الحموضة ، وشي صادق الحلاوة ، وصدق فلان في خبره ، إذا أخبر به على وجه الصّحة كاملا ، والصّديق يسمى صديقا ؛ لصدقه في المودّة ، وسمّي [الصّداق صداقا لأن](١) مقصود العقد يتمّ به ويكمل ، وسميت الزكاة صدقة ؛ لأن المال بها يصحّ ويكمل ، فهي إمّا سبب لكمال المال ، وبقائه ، وإما أنها يستدلّ بها على صدق إيمان العبد ، وكماله فيه.
فصل في بيان فضيلة صدقة السّر
سئل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : صدقة السرّ أفضل أم صدقة العلانية؟ فنزلت هذه الآية.
وقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه ..» إلى أن قال «... ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» (٢).
وقيل : الآية في صدقة التطوّع ؛ أما الزكاة المفروضة ، فالإظهار فيها أفضل ؛ حتى يقتدي الناس به ؛ كالصلاة المكتوبة في الجماعة ، والنافلة في البيت أفضل.
وقيل : الزكاة المفروضة كان الإخفاء فيها خيرا على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أمّا في زماننا ، فالإظهار فيها أفضل ؛ حتى لا يساء به الظن.
واعلم أنّ الصدقة تطلق على الفرض والنّفل ؛ قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) [التوبة : ١٠٣] وقال : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) [التوبة : ٦٠] ، وقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «نفقة المرء على عياله صدقة» (٣) والزكاة لا تطلق إلّا على الفرض.
قوله : (وَيُكَفِّرُ) قرأ الجمهور (٤) : «ويكفّر» بالواو ، والأعمش : بإسقاطها ، والياء ، وجزم الراء ؛ وفيها تخريجان :
أحدهما : أنه بدل من موضع قوله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ؛ لأنه جواب الشرط ، كأنّ التقدير : وإن تخفوها ، يكن خيرا لكم ، ويكفّر.
__________________
(١) في ب : الصدقات لأن.
(٢) أخرجه البخاري (٢ / ٢٢٦) كتاب الزكاة باب الصدقة باليمين (١٤٢٣) ، (٨ / ١٨١) كتاب الرقاق باب البكاء من خشية الله (٦٤٧٩) ومسلم (٣ / ٩٣) والترمذي (٢ / ٦٣) وأحمد (٢ / ٤٣٩) والنسائي (٢ / ٣٠٣).
(٣) أخرجه البخاري (٥ / ١٩٨) كتاب المغازي باب ١٢ رقم (٤٠٠٦) والترمذي (١٩٦٥) وابن أبي شيبة (٩ / ١٠٦).
(٤) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٦٦ ، والبحر المحيط ، ٢ / ٣٣٨ ، والدر المصون ١ / ٦٥١ والتخريجات النحوية ١٥٠.