يقال إن الذي يبدي الصدقات ، لا يكفّر من سيئاته ، فقد صار التكفير شاملا للنوعين : من إبداء الصدقات ، وإخفائها ؛ وإن كان الإخفاء خيرا».
قوله تعالى : (مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) في «من» ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها للتّبعيض ، أي : بعض سيئاتكم ، لأن الصدقات لا تكفر جميع السيئات ، وعلى هذا فالمفعول في الحقيقة [محذوف] ، أي : شيئا من سيئاتكم ، كذا قدّره أبو البقاء.
والثاني : أنها زائدة وهو جار على مذهب الأخفش ، وحكاه ابن عطية عن الطبري عن جماعة ، وجعله خطأ ؛ يعني من حيث المعنى.
والثالث : أنها للسببية ، أي : من أجل ذنوبكم ؛ وهذا ضعيف.
والسيئات : جمع سيّئة ، ووزنها : فيعلة ، وعينها واو ، والأصل : سيوءة ، ففعل بها ما فعل بميّت ، كما تقدّم.
قوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) إشارة إلى تفضيل صدقة السرّ على العلانية ؛ كأنه يقول : أنتم إنما تريدون بالصدقة طلب مرضاة الله ، وقد حصل مقصودكم في السر ؛ فما معنى الإبداء؟ فكأنّهم ندبوا بهذا الكلام إلى الإخفاء ؛ ليكون أبعد من الرياء ، وكسر قلب الفقير.
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)(٢٧٢)
هذا الكلام متصل بما قبله من ذكر الصدقات ، كأنه بيّن فيه جواز الصدقة على المشركين.
قوله : (هُداهُمْ) : اسم ليس ، وخبرها الجارّ والمجرور. و «الهدى» مصدر مضاف إلى المفعول ، أي : ليس عليك أن تهديهم ، ويجوز أن يكون مضافا لفاعله ، أي : ليس عليك أن يهتدوا ، يعني : ليس عليك أن تلجئهم إلى الاهتداء.
وفيه طباق معنويّ ، إذ التقدير : هدي الضّالّين ، وفي قوله : (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي) مع قوله تعالى : (هُداهُمْ) جناس مغاير ؛ لأنّ إحدى الكلمتين اسم ، والأخرى فعل ، ومفعول «يشاء» محذوف ، أي : هدايته.
فصل في بيان سبب النزول
روي في سبب النزول وجوه :
أحدها : أن قتيلة أمّ أسماء بنت أبي بكر ، أتت إليها ؛ تسألها شيئا ، وكذلك جدّتها ،