والثاني : أنها للتّعليل وهو بعيد. والكاف في «كذلك» تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم أو للسامع ، فتكون على أصلها من مخاطبة المفرد.
والثاني : أن تكون خطابا للجماعة ، فيكون ذلك ممّا خوطب به الجمع بخطاب المفرد ، ويؤيّده قوله «لكم» ، و «لعلّكم» ، وهي لغة للعرب ، يخاطبون في اسم الإشارة بالكاف مطلقا ، وبعضهم يستغني عن الميم بضمّة الكاف ؛ قال : [الرجز]
١٠٧٢ ـ وإنّما الهالك ثمّ التّالك |
|
ذو حيرة ضاقت به المسالك |
كيف يكون النّوك إلّا ذلك (١) |
فصل
قوله تعالى : (فِي الدُّنْيا) : فيه خمسة أوجه :
أظهرها : أن يتعلّق بيتفكّرون على معنى : يتفكّرون في أمرهما ، فيأخذون ما هو الأصلح ، ويؤثرون ما هو أبقى نفعا.
والثاني : أن يتعلّق ب «يبيّن» ، ويروى معناه عن الحسن ، وحينئذ يحتمل أن يقدّر مضاف ، أي : في أمر الدّنيا والآخرة ، ويحتمل ألّا يقدّر ، لأنّ بيان الآيات ، وهي العلامات يظهر فيها. وجعل بعضهم قول الحسن من التّقديم ، والتأخير ، أي : لذلك يبيّن الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلّكم تتفكّرون في الدنيا وزوالها وفنائها ، فتزهدون فيها ، وفي إقبال الآخرة ، ووقوعها ، فترغبون فيها. ثم قال : ولا حاجة لذلك ، لحمل الكلام على ظاهره ، يعني من تعلّق في الدّنيا ب «تتفكّرون». وهذا ليس من التّقديم والتّأخير في شيء ؛ لأنّ جملة التّرجّي جارية مجرى العلّة فهي متعلّقة بالفعل معنى ، وتقديم أحد المعمولات على الآخر ، لا يقال فيه تقديم وتأخير ويحتمل أن تكون اعتراضية ، فلا تقديم ، ولا تأخير.
والثالث : أن تتعلّق بنفس «الآيات» لما فيها من معنى الفعل ، وهو ظاهر قول مكي فيما فهمه عنه ابن عطيّة. قال مكّيّ : «معنى الآية أنه يبيّن للمؤمنين آيات في الدّنيا ، والآخرة يدلّ عليها ، وعلى منزلتها لعلّهم يتفكّرون في تلك الآيات» قال ابن عطيّة : «فقوله : في الدنيا ، يتعلّق على هذا التّأويل بالآيات» وما قاله عنه ليس بظاهر ؛ لأنّ شرحه الآية لا يقتضي تعلّق الجار بالآيات. ثمّ إن عنى ابن عطية بالتعلّق التعلّق الاصطلاحي ، فقال أبو حيان «فهو فاسد ، لأنّ «الآيات» لا تعمل شيئا ألبتّة ، ولا يتعلّق بها ظرف ، ولا مجرور» وقال شهاب الدّين : وهذا من الشّيخ فيه نظر ، فإنّ الظّروف تتعلّق بروائح الأفعال ، ولا شكّ أنّ معنى الآيات العلامات الظّاهرة ، فيتعلّق بها الظّرف على هذا. وإن
__________________
(١) ينظر : الهمع ١ / ٨٧ ، الدرر ١ / ٢٣٩ ، والدر المصون ١ / ٢٣٨.