الثالث : معناه لا تكونوا منفقين مستحقين لهذا الاسم الذي يفيد المدح ؛ حتى تبتغوا بذلك وجه الله.
فصل في ذكر الوجه في قوله (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ)
إذا قلت : فعلته لوجه زيد ، فهو أشرف في الذكر من قولك : فعلته له ؛ لأن وجه الشيء أشرف ما فيه ، وإذا قلت : فعلت هذا الفعل له ، فيحتمل أن يقال فعلته له ولغيره ، أما إذا قلت : فعلت هذا الفعل لوجهه ، فهذا يدل على أنّك فعلت هذا الفعل له فقط وليس لغيره فيه شركة.
فصل في بيان عدم صرف الزكاة لغير المسلم
أجمعوا على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلى غير مسلم ؛ فتكون هذه الآية مختصة بصدقة التطوع ، وجوّز أبو حنيفة صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة ، وأباه غيره ؛ وعن بعض العلماء : لو كان شر خلق الله ، لكان لك ثواب نفقتك.
قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)(٢٧٣)
قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ) الآية : في تعلّق هذا الجارّ خمسة أوجه :
أحدها : ـ وهو الظاهر ـ أنه متعلّق بفعل مقدر ، يدلّ عليه سياق الكلام ، واختلفت عبارات المعربين فيه ، فقال مكي (١) ـ ولم يذكر غيره ـ : «أعطوا للفقراء» ، وفي هذا نظر ؛ لأنه يلزم زيادة اللام في أحد مفعولي أعطى ، ولا تزاد اللام إلا لضعف العامل : إمّا بتقدّم معموله ؛ كقوله تعالى : (لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] ، وإمّا لكونه فرعا ؛ نحو قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] ويبعد أن يقال : لمّا أضمر العامل ، ضعف ؛ فقوي باللام ، على أنّ بعضهم يجيز ذلك ، وإن لم يضعف العامل ، وجعل منه (رَدِفَ لَكُمْ) [النمل : ٧٢] ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وقدّره أبو البقاء (٢) : «اعجبوا للفقراء» وفيه نظر ، لأنه لا دلالة من سياق الكلام على العجب. وقدّره الزمخشريّ : «اعمدوا ، أو اجعلوا ما تنفقون للفقراء» والأحسن من ذلك ما قدّره مكي ، لكن فيه ما تقدّم.
الثاني : أنّ هذا الجارّ خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : الصدقات أو النفقات التي تنفقونها للفقراء ، وهو في المعنى جواب لسؤال مقدّر ، كأنهم لما حثّوا على الصدقات ، قالوا : فلمن هي؟ فأجيبوا بأنها لهؤلاء ، وفيها بيان مصرف الصّدقات. وهذا اختيار ابن الأنباري.
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ١١٥.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٦.