١٢٣٨ ـ ما ليلة الفقير إلّا شيطان
(١) قيل : هو اسم بئر ، وفقرت الخرز : ثقبته.
وقال الهروي : يقال «فقره» إذا أصاب فقار ظهره ، نحو : رأسه ، أي : أصاب رأسه ، وبطنه ، أي : أصاب بطنه. وقال الأصمعي : «الفقر : أن يحزّ أنف البعير ، حتى يخلص الحزّ إلى العظم ، ثم يلوي عليه جريرا يذلّل به الصّعب من الإبل ، ومنه قيل : عمل به الفاقرة». والفقرات ـ بكسر الفاء ، وفتح القاف ـ : جمع فقرة : الأمور العظام ، ومنه حديث السّعي : «فقرات ابن آدم ثلاث : يوم ولد ، ويوم يموت ، ويوم يبعث». والفقر ـ بضم الفاء ، وفتح القاف ـ : جمع فقرة ؛ وهي الحزّ ، وخرم الخطم ، ومنه قول أبي زياد : «يفقر الصّعب ثلاث فقر في خطمه» ومنه حديث سعد : «فأشار إلى فقر في أنفه» ، أي : شقّ ، وحزّ. وقد تقدّم الكلام في الإحصار عند قوله : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ).
قوله : (فِي سَبِيلِ) في هذا الجار وجهان :
أحدهما : أن يتعلّق بالفعل قبله ؛ فيكون ظرفا له.
والثاني : أن يكون متعلّقا بمحذوف على أنه حال من مرفوع «أحصروا» ، أي : مستقرين في سبيل الله. وقدّره أبو البقاء (٢) بمجاهدين في سبيل الله ، فهو تفسير معنى لا إعراب ؛ لأنّ الجارّ لا يتعلّق إلّا بالكون المطلق.
فصل في بيان سبب النزول
نزلت في فقراء المهاجرين ، وكانوا نحو أربعمائة ، وهم أصحاب الصّفّة ، لم يكن لهم مساكن ولا عشائر بالمدينة ، وكانوا ملازمين المسجد ؛ يتعلمون القرآن الكريم ، ويرضخون النوى بالنهار ويخرجون في كل سريّة يبعثها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فحث الله عليهم الناس ؛ فكان من عنده فضل أتاهم به ، إذا أمسى (٣).
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : وقف رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يوما على أصحاب الصفة ، فرأى فقرهم ، وجهدهم ؛ فطيّب قلوبهم ، فقال : «أبشروا يا أصحاب الصّفّة فإنّه من لقي الله من أمّتي على النّعت الّذي أنتم عليه راضيا بما فيه فإنّه من رفقائي» (٤).
واعلم أنه تعالى وصف هؤلاء الفقراء بخمس صفات :
الأولى : قوله : (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) والإحصار : أن يعرض للرجل ما
__________________
(١) البيت للجليخ. ينظر المفردات للراغب (٥٧٧) ، الدر المصون ١ / ٦٥٤ ، جمهرة ابن دريد ٢ / ٧٨٤.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٦.
(٣) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٧ / ٧٠).
(٤) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (١٣ / ٢٧٧) وذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (١٦٥٧٧) وعزاه للخطيب في تاريخه.