يحول بينه وبين سفره من مرض ، أو كسر ، أو عدوّ ، أو ذهاب نفقة ، أو ما يجري مجرى هذه الأشياء ، يقال : أحصر الرجل : فهو محصر ، وفي معنى هذا الإحصار ، وجوه :
الأول : أنّهم حصروا أنفسهم ، ووقفوها على الجهاد ؛ لأن قوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ) مختصّ بالجهاد في عرف القرآن.
الثاني : قال قتادة ـ رحمهالله ـ وابن زيد : منعو أنفسهم من التصرفات في التجارة للمعاش ؛ خوف العدوّ (١) ؛ لأن الكفار كانوا مجتمعين حول المدينة ، وكانوا متى وجدوهم ، قتلوهم (٢).
الثالث : قال سعيد بن جبير ؛ وهو اختيار الكسائي : إنّ هؤلاء القوم أصابتهم جراحات مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وصاروا زمنى ، فأحصرهم المرض ، والزمانة عن الضّرب في الأرض (٣).
الرابع : قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ هؤلاء القوم من المهاجرين حبسهم الفقر عن الجهاد في سبيل الله ، فعذرهم الله (٤).
الصفة الثانية : قوله تعالى : (لا يَسْتَطِيعُونَ فِي الْأَرْضِ) في هذه الجملة احتمالان :
أظهرهما : أنها حال ، وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : أنه «الفقراء» ، وثانيهما : أنه مرفوع «أحصروا».
والاحتمال الثاني : أن تكون مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب ؛ و «ضربا» مفعول به ، وهو هنا السفر للتجارة ؛ قال : [الوافر]
١٢٣٩ ـ لحفظ المال أيسر من بقاه |
|
وضرب في البلاد بغير زاد (٥) |
ويقال : ضربت في الأرض ضربا ، ومضربا ، أي : سرت.
فصل في بيان عدم الاستطاعة في الآية
عدم استطاعتهم : إمّا أن يكون لاشتغالهم بصلاح الدّين ، بأمر الجهاد ؛ فيمنعهم من الاشتغال بالكسب والتجارة ، وإمّا لخوفهم من الأعداء ، وإمّا لمرضهم ، وعجزهم ؛ وعلى جميع الوجوه فلا شكّ في احتياجهم إلى من يعينهم.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٩٣) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٣٣) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) في ب : المعدوم.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٣٣) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
(٤) ذكره الفخر الرازي في «تفسيره» (٧ / ٧٠).
(٥) ينظر : الدر المصون ١ / ٦٥٥.