وقال ابن زيد : رثاثة ثيابهم (١).
قال ابن الخطيب (٢) : وعندي أنّ الكلّ فيه نظر ؛ لأن كل ما ذكروه علامات دالّة على حصول الفقر ، وذلك يناقض قوله : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) بل المراد شيء آخر ، وهو أن لعباد الله المخلصين هيبة ووقعا في قلوب الخلق ، كل من رآهم تأثر منهم ، وتواضع لهم ؛ وذلك إدراكات روحانية ، لا علات جسمانية ؛ ألا ترى أنّ الأسد إذا مرّ هابته جميع السباع بطباعها ، لا بالتجربة ؛ لأن الظاهر أن تلك التجربة ما وقعت ، وكذلك البازي (٣) ، إذا طار فرّت منه الطيور الضّعيفة ، وكل ذلك إدراكات روحانية ، لا جسمانية فكذا هاهنا ، روي أنهم كانوا يقومون الليل ، للتهجّد ، ويحتطبون بالنهار ؛ للتعفف.
الصفة الخامسة : قوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) في نصبه «إلحافا» ثلاثة أوجه :
أحدها : نصبه على المصدر بفعل مقدّر ، أي : يلحفون إلحافا ، والجملة المقدرة حال من فاعل «يسألون».
والثاني : أن يكون مفعولا من أجله ، أي : لا يسألون ؛ [لأجل الإلحاف.
والثالث : أن يكون مصدرا في موضع الحال ، تقديره : لا يسألون] ملحفين.
فصل في تفسير الإلحاف
الإلحاف : هو الإلحاح ؛ قال عطاء : إذا كان عنده غداء لا يسأل عشاء ، وإذا كان عنده عشاء لا يسأ غداء (٤).
وعن ابن مسعود : إن الله يحب العفيف المتعفف ، ويبغض الفاحش البذيء السّائل الملحف ، الذي إن أعطي كثيرا ، أفرط في المدح ، وإن أعطي قليلا أفرط في الذّمّ (٥).
وعن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لا يفتح أحد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر ، ومن
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٩٧) وانظر فتح القدير (١ / ٢٩٣).
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٧١.
(٣) البازي فيها لغات : «بازي» مخففة الياء ، والثانية «باز» والثالثة «بازيّ» بتشديد الياء ، حكاهما ابن سيده ، وهو مذكر لا اختلاف فيه ، ويقال في التثنية : بازيان ، وفي الجمع : بزاة ؛ كقاضيان وقضاة ، ويقال للبزاة والشواهين وغيره مما يصيد : صقورا ، ولفظه مشتق من البزوان وهو الوثب. وكنيته : أبو الأشعث ، وأبو البهلول ، وأبو لاحق ، وهو من أشد الحيوانات تكبرا وأضيقها خلقا. قال القزويني في «عجائب المخلوقات» : قالوا إنه لا يكون إلا أنثى وذكرها من نوع آخر ، كالحدإ والشواهين ، ولهذا اختلفت أشكالها. ينظر حياة الحيوان ١ / ٩٩.
(٤) انظر : تفسير الرازي (٧ / ٧١).
(٥) انظر : المصدر السابق.