فصل في بيان سبب النّزول
في سبب النزول وجوه :
الأول : لما نزل قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، بعث عبد الرّحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصّفة ، وبعث عليّ ـ كرم الله وجهه ـ بوسق تمر ليلا ؛ فكان أحبّ الصّدقتين إلى الله تعالى ، صدقه عليّ ؛ فنزلت الآية.
وقدّم الله تعالى ذكر الليل ؛ ليعرف أنّ صدقة اللّيل كانت أكمل ، رواه الضّحّاك ، عن ابن عبّاس (١).
الثاني : روى مجاهد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : نزلت هذه الآية في عليّ ـ رضي الله عنه ـ كان عنده أربعة دراهم ، لا يملك غيرها ، فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرّا وبدرهم علانية ؛ فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «ما حملك على هذا؟» فقال : أن أستوجب ما وعدني ربّي ، فقال : «لك ذلك» (٢).
الثالث : قال الزّمخشريّ نزلن في أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ حين تصدّق بأربعين ألف دينار : عشرة باللّيل ، وعشرة بالنهار ، وعشرة في السّرّ ، وعشرة في العلانية.
الرابع : قال أبو أمامة ، وأبو الدّرداء ، ومكحول ، والأوزاعي : نزلت هذه الآية الكريمة في الذين يربطون الخيل للجهاد ؛ فإنها تعتلف ليلا ونهارا ، وسرا وعلانية ، فكان أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ إذا مرّ بفرس سمين ، قرأ هذه الآية (٣).
وروى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا ، وتصديقا بوعده ، فإنّ شبعه وريّه وروثه ، وبوله في ميزانه يوم القيامة» (٤).
__________________
(١) انظر : تفسير الفخر الرازي (٧ / ٧٣) و «البحر المحيط» (٢ / ٣٣٤) لأبي حيان.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٩٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٤٢) وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس وانظر غرائب النيسابوري (٣ / ٧٤) وأسباب النزول للواحدي (٦٤) وفتح القدير (١ / ٢٩٤).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٩٦) عن أبي الدرداء وأخرجه ابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي كما في «الدر المنثور» (١ / ٦٤١) وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي من طريق حنش الصنعاني عن ابن عباس كما في «الدر المنثور» (١ / ٦٤١).
وانظر تفسير ابن كثير (١ / ٤٨٢) والقرطبي (٣ / ٢٢٤).
(٤) أخرجه البخاري (٤ / ٩٠) كتاب الجهاد والسير باب الجهاد ماض ـ الخ رقم (٢٨٥٣) والنسائي (٦ / ٢٢٥) وأحمد (٢ / ٣٧٤) والحاكم (٢ / ٩٢) والبغوي في «تفسيره» (١ / ٢٩٦) وفي «شرح السنة» (١٠ / ٣٨٨) والبيهقي (١٠ / ١٦) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣ / ٢٧٤).