الخامس : أن الآية الكريمة عامة في الذين يعمون الأوقات ، والأحوال بالصدقة ، تحريضا لهم على الخير.
وفي الآية إشارة إلى أن صدقة السّرّ أفضل ؛ لأنه قدم اللّيل على النهار ، والسر على العلانية في الذكر ، وتقدم نظير هذه الآية ؛ ومدلولها ، وهو مشروط عند الكل بألّا يحصل عقيبه الكفر ، وعند المعتزلة ألّا يحصل عقيبه كبيرة محبطة.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٢٧٥)
«الرّبا» في اللّغة (١) : عبارة عن الزّيادة ؛ يقال ربا الشيء يربو ربوا ، ومنه قوله : (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) [الحج : ٥] ، أي : زادت ، وأربى الرّجل : إذا عامل في الربا ، ومنه الحديث «من أجبى فقد أربى» ، أي : عامل بالرّبا ، والإجباء : بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه(٢).
والمادة تدلّ على الزيادة والارتفاع ، ومنه الرّبوة. وقال حاتم الطائيّ يصف رمحا : [الطويل]
١٢٥٢ ـ وأسمر خطّيّا كأنّ كعوبه |
|
نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر (٣) |
والرّبا : لامه واو ؛ لقولهم : ربا يربو ؛ فلذلك يثنّى بالواو ، ويكتب بالألف. وجوّز الكوفيّون تثنيته بالياء ، وكذلك كتابته ، قالوا : لكسر أوّله ، ولذلك أمالوه ، وليس هذا مختصّا بمكسور الأول ، بل الثّلاثيّ من ذوات الواو ، المكسور الأول ، أو المضمومة ؛ نحو : «ربا» ، و «علا» حكمه ما ذكرته عنهم ، فأمّا المفتوح الأول نحو : عصا ، وقفا ، فلم يخالفوا البصريين ، وكتب في القرآن بخطّ الصحابة بواو بعدها ألف.
وقيل : إنما بالواو ؛ لأنّ أهل الحجاز تعلّموا الخطّ من أهل الحيرة ، وأهل الحيرة يقولون : «الرّبوا» بالواو ، فكتبوها كذلك ، ونقلها أهل الحجاز كذلك ؛ خطّا لا لفظا.
قرأ العدويّ : «الرّبو» كذلك بواو خالصة بعد فتحة الباء (٤). فقيل : هذا القارئ أجرى الوصل مجرى الوقف ، وذلك أنّ من العرب من يقلب ألف المقصور واوا ؛ فيقول : هذه أفعو ، وهذا من ذاك ، إلّا أنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : ديوانه (٨٠) ، الدر المصون ١ / ٦٦٠.
(٤) انظر : الشواذ ١٧ ، والبحر المحيط ، ٢ / ٣٤٦ ، والدر المصون ١ / ٦٦٠.