وقد حكى أبو زيد ما هو أغرب من ذلك ، فقال : «قرأ بعضهم (١) بكسر الراء ، وضمّ الباء ، وواو بعدها» ، ونسب هذه للغلط ؛ وذلك لأنّ لسان العرب لا يبقي واوا بعد ضمة في الأسماء المعربة ، بل إذا وجد ذلك ، لم يقرّ على حاله ، بل تقلب الضّمّة كسرة ، والواو ياء ، نحو : دلو وأدل ، وجرو وأجر ؛ وأنشد أبو عليّ : [البسيط]
١٢٥٣ ـ ليث هزبر مدلّ عند خيسته |
|
بالرّقمتين له أجر وأعراس (٢) |
ونهاية ما قيل فيها : أنّ قارئها قلب الألف واوا ؛ كقولهم في الوقف : أفعو ، ثم أجري الوصل مجرى الوقف في ذلك ، قيل : ولم يضبط الرّاوي عنه ما سمع ؛ فظنّه بضمّ الباء ؛ لأجل الواو ؛ فنقلها كذلك ، وليت الناس أخلوا تصانيفهم من مثل هذه القراءات التي لو سمعها العامة لمجّوها ، ومن تعاليلها ، ولكن صار التارك لها ، يعده بعضهم جاهلا بالاطّلاع عليها.
ويقال : ربا ورما ، بإبدال بائه ميما ؛ كما قالوا : كثم في كثب. والألف واللام في «الرّبا» : يجوز أن تكون للعهد ، إذ المراد الرّبا الشرعيّ ، ويجوز أن تكون لتعريف الجنس.
فصل في وجه تعلق هذه الآية بالتي قبلها
اعلم أنّ بين الصدقة ، والرّبا مناسبة من جهة التضادّ ؛ لأن الصدقة عبارة عن تنقيص المال بسبب أمر الله تبارك وتعالى بذلك ؛ والرّبا عبارة عن طلب الزيادة على المال مع نهي الله ـ سبحانه وتعالى ـ عنه ، فكانا كالمتضادّين ، ولهذا قال تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) [البقرة : ٢٧٦] فلما حصلت المناسبة بينهما من هذا النوع ، ذكر حكم الربا عقيب حكم الصدقات ، وخصّ الأكل ؛ لأنه معظم الأمر ؛ كقوله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) [النساء : ١٠] فنبّه بالأكل على ما سواه من وجوه الإتلافات ، ولأنّ نفس الرّبا الذي هو الزيادة لا يؤكل ، وإنما يصرف في المأكول ، وقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لعن الله آكل الرّبا ، وموكله وشاهده وكاتبه ، والمحلّل له» (٣) فعلمنا أنّ الحرمة غير مختصة بالأكل.
فصل في تقسيم الرّبا
الرّبا قسمان : ربا النّسيئة ، وربا الفضل.
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) البيت لمالك بن خالد (أو خويلد) الخناعي ينظر شرح أشعار الهذليين ١ / ٤٤٢ ، ولسان العرب (عرس) ، ولمالك بن خالد أو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ١ / ٢٢٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٩ ، وشرح المفصل ٤ / ١٢٣ ، ٥ / ٣٥. والدر المصون ١ / ٦٦٠.
(٣) أخرجه مسلم كتاب المساقاة باب لعن الله آكل الربا وموكله رقم (١٥٩٧) وأبو داود (البيوع باب ٤) والترمذي (١٢٠٦) وابن ماجه (٢٢٧٧) والنسائي (٨ / ١٤٧) والبيهقي (٥ / ٢٨٥) وابن حبان (١١٢) والبغوي في «شرح السنة» (٨ / ٥٤) والخطيب (١١ / ٤٢٣).