أمّا ربا النسيئة ، فهو الذي كان مشهورا متعارفا في الجاهليّة ، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كلّ شهر قدرا معينا ، ويكون رأس المال باقيا ، ثم إذا حلّ الدّين طالبوا المديون برأس المال فإن تعذر عليه الأداء زادوا (١) في الحقّ والأجل ، فهذا هو الرّبا الذي كانوا يتعاملون به في الجاهلية.
وأمّا «ربا الفضل» فهو أن يباع منّ من الحنطة بمنوين منها ، أو ما أشبه ذلك.
وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه كان لا يحرّم إلّا القسم الأول ، فكان يقول لا ربا إلّا في النّسيئة ، وكان يجوّز ربا الفضل ؛ فقال له أبو سعيد الخدريّ : أشهدت ما لم تشهد ، أو سمعت من رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ما لم نسمع! ثمّ روى له الحديث المشهور في هذا الباب ، ثم قال أبو سعيد : لا أواني وإيّاك ظلّ بيت ، ما دمت على هذا.
ثمّ روي أنه رجع عنه.
قال محمد بن سيرين : كنّا في بيت ، ومعنا عكرمة ، فقال رجل : يا عكرمة ، أما تذكر ونحن في بيت فلان ، ومعنا ابن عباس فقال : إنما كنت استحللت الصرف برأيي ، ثم بلغني أنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حرّمه ، فاشهدوا أنّي حرمته ، وبرئت منه إلى الله.
وحجّة ابن عباس أنّ قوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) يتناول بيع الدرهم بالدّرهمين نقدا ؛ وقوله : (وَحَرَّمَ الرِّبا) [لا يتناوله ؛ لأن الرّبا عبارة عن الزيادة ، وليست كلّ زيادة محرمة ؛ بل قوله : (وَحَرَّمَ الرِّبا)](٢) إنما يتناول العقد المخصوص المسمّى فيما بينهم ربا ، وذلك هو ربا النّسيئة ، فكان ذلك مخصوصا بالنّسيئة ؛ فثبت أنّ قوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) يتناول ربا الفضل ، وقوله (وَحَرَّمَ الرِّبا) لا يتناوله ؛ فوجب أن يبقى على الحلّ ولا يمكنه أن يقال إنما يحرمه بالحديث ؛ لأنه يقتضي تخصيص ظاهر القرآن بخبر الواحد ، وهو غير جائز وهذا هو عرف ابن عباس ، وحقيقته راجعة إلى أنّ تخصيص القرآن بخبر الواحد : هل يجوز أم لا؟
وأمّا جمهور العلماء ، فقد اتفقوا على تحريم الربا في القسمين ، أمّا القسم الأوّل ، ربا النّسيئة فبالقرآن ، وأمّا ربا الفضل ، فبالخبر ، ثم إن الخبر دلّ على حرمة ربا الفضل في الأشياء الستة ، ثم اختلفوا. فقال جمهور الفقهاء (٣) : حرمة ربا الفضل غير مقصورة على هذه النسيئة ؛ بل ثابتة في غيرها بالعلّة الجامعة وقال نفاة القياس : بل الحرمة مقصورة عليها.
فصل في سبب تحريم الربا
ذكروا في سبب تحريم الرّبا وجوها :
__________________
(١) في ب : فلا يصبر عليه إلا إذا زاد.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : العلماء.