قوله : (إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) ، «إصلاح» مبتدأ ، وسوّغ الابتداء به أحد شيئين : إمّا وصفه بقوله : «لهم» ، وإمّا تخصيصه بعمله فيه ، و «خير» خبره. و «إصلاح» مصدر حذف فاعله ، تقديره : إصلاحكم لهم ، فالخيريّة للجانبين أعني جانب المصلح ، والمصلح له ، وهذا أولى من تخصيص أحد الجانبين بالإصلاح كا فعل بعضهم.
قال أبو البقاء (١) : «فيجوز أن يكون التّقدير : خير لكم ، ويجوز أن يكون : خير لهم» ، أي : إصلاحهم نافع لكم.
قال بعض العلماء : هذه الكلمة تجمع النّظر في إصلاح اليتيم بالتّقويم والتّأديب وغيرهما لكي ينشأ على علم وأدب وفضل ، والنّظر في إصلاح حاله ، وتجمع أيضا النّظر في حال الولي ، أي : هذا العمل خير له من أن يكون مقصّرا في حقّ اليتيم.
وقال بعضهم : الخير عائد إلى الولي ، يعني إصلاح مالهم من غير عوض ، ولا أجرة ، خير للولي ، وأعظم أجرا.
وقال آخرون : الخير عائد إلى اليتيم ، والمعنى : أنّ مخالطتهم بالإصلاح خير لهم من التّفرّد عنهم ، والإعراض عن مخالطتهم.
فصل في هل يتصرف في مال اليتيم
قال القرطبيّ (٢) لما أذن الله عزوجل في مخالطة الأيتام مع قصد الإصلاح بالنّظر إليهم وفيهم ، كان ذلك دليلا على جواز التّصرف في مال اليتيم تصرف الوصيّ في البيع ، والقسمة ، وغير ذلك على الإطلاق لهذه الآية ، فإذا كفل الرّجل اليتيم ، وحازه ، وكان في نظره ، جاز عليه فعله وإن لم يقدّمه وال عليه ؛ لأنّ الآية مطلقة والكفالة ولاية عامّة ، ولم يؤثر عن أحد من الخلفاء أنّه قدّم أحدا على يتيم مع وجودهم في أزمنتهم ، وإنّما كانوا يقتصرون على كونهم عندهم.
قوله : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) المخالطة : الممازجة ، وقيل : جمع يتعذر فيه التّمييز ومنه يقال للجماع : الخلاط ، ويقال : خولط الرجل إذا جنّ ، والخلاط : الجنون ؛ لاختلاط الأمر على صاحبه بزوال عقله.
قوله : «فإخوانكم» الفاء جواب الشّرط ، و «إخوانكم» خبر مبتدأ محذوف ، أي : فهم إخوانكم. والجملة في محلّ جزم جواب الشّرط ، والجمهور على الرّفع ، وقرأ أبو مجلز : «فإخوانكم» نصبا بفعل مقدّر ، أي : فقد خالطتم إخوانكم ، والجملة الفعليّة أيضا في محلّ جزم ، وكأن هذه القراءة لم يطّلع عليها الفراء وأبو البقاء فإن الفراء [قال] ولو
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٣.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٤٣.