الثاني : أنه يتعلّق بقوله تبارك وتعالى : (لا يَقُومُونَ) ، أي : لا يقومون من المسّ الذي بهم ، إلا كما يقوم المصروع.
الثالث : أنه يتعلّق بقوله : «يقوم» ، أي : كما يقوم المصروع من جنونه ؛ ذكر هذين الوجهين الأخيرين الزمخشريّ.
قال أبو حيّان (١) : وكان قدّم في شرح المسّ أنه الجنون ، وهذا الذي ذهب إليه في تعلّق «من المسّ» بقوله : (لا يَقُومُونَ) ضعيف ؛ لوجهين :
أحدهما (٢) : أنه قد شرح المسّ بالجنون ، قلت : وهو باب في البلاغة مشهور ، وهو أعلى رتب التشبيه ؛ ومنه قوله : [الطويل]
١٢٥٧ ـ ورمل كأوراك العذارى قطعته |
|
..........(٣) |
فصل في دفع شبهة في تحليل الرّبا
القوم كانوا في تحليل الرّبا على هذه الشّبهة ، وهي (٤) أنّ من اشترى ثوبا بعشرة ، ثمّ باعه بأحد عشر ، فهذا حلال ؛ فكذا إذا باع العشرة بأحد عشر ، يجب أن يكون حلالا ؛ لأنّه لا فرق في العقل بين الصّورتين ، فهذا في ربا الفضل ، وكذلك ـ أيضا ـ في ربا النّسيئة ؛ لأنه لو باع الثوب الذي يساوي عشرة في الحال بأحد عشر إلى شهر ، جاز ؛ فكذا إذا أعطى العشرة بأحد عشر إلى شهر ، وجب أن يجوز ؛ لأنه لا فرق في العقل (٥) بينهما ، وإنما جاز ذلك ، لحصول التراضي من الجانبين ، فكذا هاهنا ، لما حصل التراضي من الجانبين ، وجب أن يجوز أيضا ، والبياعات إنّما شرعت لدفع الحاجة ، ولعل الإنسان أن يكون صفر اليد في الحال ، شديد الحاجة ، ويكون له في المستقبل من الزمان أموال كثيرة ، فإذا لم يجز الرّبا ، لم يعطه ربّ المال مجانا ، فيبقى الإنسان في الشدة ، والحاجة ، وبتقدير جواز الربا فيعطيه (٦) ربّ المال ؛ طمعا في الزيادة ، والمديون يردّه عند وجدان المال ، وإعطاء تلك الزيادة عند وجدان المال ، أسهل عليه من البقاء في الحاجة قبل وجدان المال ، فهذا يقتضي حلّ الرّبا ، كما قلنا في سائر البياعات (٧) أنّها إنما شرعت ؛ لدفع الحاجة ، فهذه شبهة القوم.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٤٨.
(٢) ذكر الوجه الأول ولم يذكر الوجه الثاني.
(٣) صدر بيت لذي الرمة وعجزه :
إذا جللته المظلمات الحنادس
ينظر ديوانه ١١٣١ ، الخصائص ١ / ٣٠٠ ، الدر المصون ١ / ٦٦٣.
(٤) في ب : وهو.
(٥) في ب : الفصل.
(٦) في ب : يعطيه.
(٧) في ب : الساعات.