حال كونها شرطية وجه آخر ، وهو أن تكون منصوبة بفعل مضمر يفسّره ما بعده ، وتكون المسألة من باب الاشتغال ، ويقدّر الفعل بعدها ؛ لأنّ لها صدر الكلام ، والتقدير : فأيّ شخص جاءت الموعظة جاءته ، ولا يجوز ذلك فيها موصولة ؛ لأنّ الصلة لا تفسّر عاملا ؛ إذ لا يصحّ تسلّطها على ما قبلها ، وشرط التفسير صحة التسلّط. وسقطت علامة التأنيث من فعل الموعظة لأن ثانيها غير حقيقي ولأنها في معنى الوعظ وأيضا للفصل بين الفعل ، وفاعله بالمفعول. وقرأ أبيّ (١) والحسن : «جاءته» على الأصل.
قوله : (مِنْ رَبِّهِ) يجوز أن تكون متعلقة بجاءته ، وتكون لابتداء الغاية ؛ مجازا ، وأن تتعلّق بمحذوف على أنها صفة لموعظة ، أي : موعظة من موعظات ربه ، أي : بعض مواعظه.
وقوله : (فَانْتَهى) نسق على «جاءته» عطفه بفاء التعقيب ، أي : لم يتراخ انتهاؤه عن مجيء الموعظة.
وقوله : (وَمَنْ عادَ) الكلام على «من» هذه في احتمال الشرط ، والموصول ، كالكلام على التي قبلها.
«عاد» ، أي : رجع ، يقال : عاد يعود عودا ، ومعادا ، وعن بعضهم : أنها تكون بمعنى «صار» ؛ وأنشد : [الطويل]
١٢٥٨ ـ وبالمحض حتّى عاد جعدا عنطنطا |
|
إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه (٢) |
وأنشد : [الطويل]
١٢٥٩ ـ تعدّ لكم جزر الجزور رماحنا |
|
ويرجعن بالأسياف منكسرات (٣) |
والضمير في قوله «فأمره» يعود على «ما سلف» ، أي : وأمر ما سلف إلى الله ، أي : في العفو عنه وإسقاط التّبعة منه. وقيل : يعود على المنتهي المدلول عليه بانتهى ، أي : فأمر المنتهي عن الربا إلى الله ؛ في العفو ، والعقوبة.
وقيل : يعود على ذي الرّبا في أن ينتبه على الانتهاء ، أو يعيده إلى المعصية.
وقيل : يعود على الرّبا ، أي : في عفو الله عمّا شاء منه ، أو في استمرار تحريمه.
قال الواحديّ (٤) «السّلوف» : التقدم ، وكلّ شيء قدمته أمامك فهو سلف ، ومنه الأمم السّالفة ، وسالف الذكر ، وله سلف صالح : آباء متقدّمون ، ومنه (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً)
__________________
(١) انظر : الشواذ ١٧ ، والمحرر الوجيز ١ / ٣٧٢ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٤٩ ، والدر المصون ١ / ٦٦٣.
(٢) البيت لفرعان التميمي ينظر لسان العرب (ضجر) والمقاصد النحوية ٢ / ٣٩٨ ، وشرح الأشموني ١ / ١١٠ ، والدر المصون ١ / ٦٦٤.
(٣) ينظر : الهمع ١ / ١٢ ، الدرر ١ / ٨٣ ، الدر المصون ١ / ٦٦٤.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٨٢.