اعلم أنّ من عادته تعالى في القرآن الكريم مهما ذكر وعيدا ، ذكر بعده وعدا فلما بلغ هاهنا في وعيد المرابي ، أتبعه بهذا الوعد ، وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية.
واحتجّ من قال بأن العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان بهذه الآية ، فإنه عطف عمل الصالحات على الإيمان ؛ والمعطوف يغاير المعطوف عليه.
وأجيب عنه بأنه قال : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) ولا نزاع في أن إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، داخلان تحت عمل الصالحات ، فكذا ما ذكرتم ، وأيضا قال تبارك وتعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [النحل : ٨٨] وقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) [البقرة : ٣٩] ويمكن أن يجاب بأن الأصل حمل كل لفظة على فائدة جديدة ، ترك العمل به عند التّعذر ، فيبقى في غير موضع التعذر على الأصل.
فإن قيل إنّ الإنسان إذا بلغ عارفا بالله تعالى وقبل وجوب الصلاة والزكاة عليه ، ثم مات ، فهو من أهل الثواب بالاتفاق ، فدلّ على أن استحقاق الثواب لا يتوقّف على حصول العمل.
وأيضا فقد يثيب الله تعالى المؤمن الفاسق الخالي عن جميع الأعمال ، وإذا كان كذلك فكيف وقف الله هاهنا حصول الأجر على حصول العمل؟
فالجواب : أنه تبارك وتعالى إنما ذكر هذه الخصال ؛ لا لأجل أنّ استحقاق الثواب مشروط بهذا ، بل لأجل أنّ لكل واحد منهما أثرا في جلب الثواب ، كما قال في ضدّ هذا (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الفرقان : ٦٨] ثم قال : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان: ٦٨] ومعلوم أنّ من ادعى مع الله إلها آخر لا يحتاج في استحقاقه العذاب إلى عمل آخر ، وإنما جمع الله الزّنا ، وقتل النّفس ، مع دعاء غير الله إلها ؛ لبيان أنّ كل واحد من هذه الخصال يوجب العقوبة.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)(٢٧٩)
اعلم أنه تعالى لمّا بيّن في الآية المتقدمة أنّ من انتهى عن الربا ، فله ما سلف ؛ فقد يظنّ أنه لا فرق بين المقبوض منه ، وبين الباقي في ذمّة الغريم ، فبين في هذه الآية الكريمة بقوله (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) أي : الذي لم يقبض فالزيادة حرام ، وليس لهم أن يأخذوا إلّا رؤوس أموالهم ، فقال : (اتَّقُوا اللهَ) والاتقاء إنما يكون باتقاء ما نهى عنه ، (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) يعني : إن كنتم قد قبضتم منه شيئا ، فيعفو عنه ، وإن لم تقبضوه أو لم تقبضوا بعضه ، فالذي لم يقبض حرام قبضه ، وهذه الآية دليل على أحكام الكفّار إذا أسلموا ؛ لأن ما مضى في زمن الكفر ، فإنه لا ينقض ، ولا يفسخ ، وما لم يوجد منه