نصب كان صوابا ، وقال أبو البقاء : «ويجوز النّصب في الكلام ، أي : فقد خالطتم إخوانكم».
فصل في بيان وجوه المخالطة
في هذه المخالطة (١) وجوه :
أحدها : المراد بالمخالطة في الطّعام ، والشّراب ، والسّكنى ، والخدم ؛ لأن القوم ميّزوا طعامهم ، وشرابهم ، ومسكنهم عن طعام اليتيم ، وشرابه ، وسكنه فأمرهم الله تعالى بخلط الطّعامين والشّرابين ، والاجتماع في السّكن الواحد كما يفعله المرء بمال ولده ، فإنّ هذا أدخل في حسن العشرة والمؤالفة.
الثاني : المراد بهذه المخالطة أن ينتفعوا بأموالهم بقدر ما يكون أجرة المثل في ذلك العمل. والقائلون بهذا القول ، منهم من جوّز ذلك سواء كان القيم غنيّا ، أو فقيرا ، ومنهم من قال إن كان القيم غنيا لم يأكل من ماله ؛ لأن ذلك فرض عليك وطلب الأجرة على العمل الواجب لا يجوز ، واحتجوا بقوله : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء : ٦] وإن كان القيّم فقيرا قالوا : يأكل بقدر الحاجة ، ويرده إذا أيسر فإن لم يوسر تحلله من اليتيم.
وروي عن عمر أنّه قال : أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة وليّ اليتيم إن استغنيت استعففت ، وإن افتقرت أكلت قرضا بالمعروف ثمّ قضيت (٢).
وعن مجاهد : إذا كان فقيرا ، وأكل بالمعروف ، فلا قضاء عليه (٣).
الثالث : أنّ المراد بهذه «المخالطة» المصاهرة بالنّكاح ، وهو اختيار أبي مسلم (٤) قال : لقوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٣] وقوله : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) [النساء : ١٢٧] وهذا القول راجح على غيره من وجوه (٥) :
أحدها : أنّ هذا خلط لليتيم نفسه ، والشّركة خلط لماله.
وثانيها : أنّ الشّركة داخلة في قوله : «قل إصلاح لهم خير» ، والخلط من جهة النّكاح ، وتزويج البنات منهم لم يدخل في ذلك فحمل الكلام على هذا الخلط أقرب.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٤٥.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢١٦) وعزاه لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا والنحاس في ناسخه وابن المنذر من طرق عن عمر بن الخطاب.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢١٦) وعزاه لابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٤٥.
(٥) ينظر : المصدر السابق.