قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٢٨٠)
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) : في «كان» هذه وجهان :
أحدهما : ـ وهو الأظهر ـ أنها تامة بمعنى حدث ، ووجد ، أي : وإن حدث ذو عسرة ، فتكتفي بفاعلها كسائر الأفعال ، قيل : وأكثر ما تكون كذلك إذا كان مرفوعها نكرة ، نحو : «قد كان من مطر».
والثاني : أنها الناقصة والخبر محذوف. قال أبو البقاء (١) : «تقديره : وإن كان ذو عسرة لكم عليه حقّ ، أو نحو ذلك» وهذا مذهب بعض الكوفيين في الآية ، وقدّر الخبر : وإن كان من غرمائكم ذو عسرة. وقدّره بعضهم : وإن كان ذو عسرة غريما.
قال أبو حيّان (٢) : «وحذف خبر كان لا يجيزه أصحابنا ؛ لا اختصارا ، ولا اقتصارا ، لعلّة ذكروها في كتبهم. وهي أنّ الخبر تأكّد طلبه من وجهين :
أحدهما : كونه خبرا عن مخبر عنه.
والثاني : كونه معمولا للفعل قبله ، فلما تأكدت مطلوبيته ، امتنع حذفه.
فإن قيل : أليس أن البصريين لمّا استدلّ عليهم الكوفيون في أنّ «ليس» تكون عاطفة بقوله : [الرمل]
١٢٦٩ ـ .......... |
|
إنّما يجزي الفتى ليس الجمل (٣) |
تأوّلوها على حذف الخبر ؛ وأنشدوا شاهدا على حذف الخبر قوله : [الكامل]
١٢٧٠ ـ .......... |
|
يبغي جوارك حين ليس مجير (٤) |
وإذا ثبت هذا ، ثبت في سائر الباب.
فالجواب أن هذا مختصّ بليس ؛ لأنها تشبه لا النافية ، و «لا» يجوز حذف خبرها ، فكذا ما أشبهها».
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٥٤.
(٣) عجز بيت للبيد وصدره :
إذا أقرضت قرضا فاجزه
ينظر ديوانه (١٧) ، أوضح المسالك (٣ / ٣٨) ، التصريح ١ / ١٩١ اللسان قرض ، الدر المصون ١ / ٦٦٨.
(٤) عجز بيت لشمردل الليثي وصدره :
لهفي عليك للهفة من خائف
ينظر المغني (٧٠٠) ، التصريح (١ / ٢٠٠) ، الأشموني ١ / ٢٥٦ ، الهمع ١ / ١١٦ ، العيني ٢ / ١٠٣ ، الدرر ١ / ٨٥ ، الدر المصون ١ / ٦٦٨.