وإذا تقرّر هذا ، فقد خطّأ النحويون مجاهدا ، وعطاء في قراءتهما : «إلى ميسره» بإضافة «ميسر» مضموم السين إلى ضمير الغريم ؛ لأنهم بنوه على أنه ليس في الآحاد مفعل ، ولا ينبغي أن يكون هذا خطأ ؛ لأنه على تقدير تسليم أنّ مفعلا ليس في الآحاد ، فميسر هنا ليس واحدا ، إنما هو جمع ميسرة ، كما قلتم أنتم : إنّ مكرما جمع مكرمة ، ونحوه ، أو يكون قد حذف تاء التأنيث للإضافة ؛ كقوله : [البسيط]
١٢٧٦ ـ إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا |
|
وأخلفوك عد الأمر الّذي وعدوا (١) |
أي : عدة الأمر ؛ ويدلّ على ذلك أنهم نقلوا عنهما ، أنهما قرآ أيضا : «إلى ميسره» بفتح السين ، مضافا لضمير الغريم ، وهذه القراءة نصّ فيما ذكرته لك من حذف تاء التأنيث للإضافة ؛ لتوافق قراءة العامّة : «إلى ميسرة» بتاء التأنيث.
وقد خرّجها أبو البقاء (٢) على وجه آخر ، وهو أن يكون الأصل : «ميسوره» فخفّف بحذف الواو ؛ اكتفاء بدلالة الضمة عليها ، وقد يتأيّد ما ذكره على ضعفه ، بقراءة عبد الله ، فإنه قرأ : إلى «ميسورة» بإضافة «ميسور» للضمير ، وهو مصدر على مفعول ؛ كالمجلود والمعقول ، وهذا إنما يتمشّى على رأي الأخفش ؛ إذ أثبت من المصادر زنة مفعول ، ولم يثبته سيبويه.
«والميسرة» : مفعلة من اليسر ، واليسار الذي هو ضدّ الإعسار ، وهو تيسر الموجود من المال ومنه يقال أيسر الرجل ، فهو موسر ، أي : صار إلى حالة وجود المال فالميسرة ، واليسر ، والميسور : الغنى.
فصل في سبب نزول «وإن كان ذو عسرة»
لما نزل قوله : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) قال بنو عمرو الثّقفي : بل نتوب إلى الله ، فإنه لا طاقة لنا بحرب الله ورسوله ، فرضوا برأس المال ، فشكى بنو المغيرة العسرة ، وقالوا : أخّرونا إلى أن تدرك الغلّات ، فأبوا أن يؤخروا ؛ فأنزل الله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) يعني وإن كان الذي عليه الدّين معسرا ، (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ، يعني : أنظروه إلى اليسار ، والسّعة.
فصل في بيان حكم الإنظار
اختلفوا في حكم الإنظار : هل هو مختصّ بالربا ، أو عامّ في كل دين؟ فقال ابن عباس ، وشريح ، والضحاك ، والسدي ، وإبراهيم : الآية في الربا ، وذكر عن شريح أنّه أمر
__________________
(١) البيت للفضل بن العباس : ينظر الخصائص ٣ / ١٧١ ، والتصريح ٢ / ٣٩٦ ، والأشموني ٢ / ٢٣٧ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٤٦ ، الدر المصون ١ / ٦٧٠.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٧.