العموم ، وها هنا قام الدّليل على أنّ المراد هو العموم ؛ لأنه تعالى بين العلّة في الأمر بالكتابة في آخر الآية ، وهي قوله تعالى : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ ، وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) والمعنى إذا وقعت المعاملة بالدّين ، ولم يكتب فالظّاهر أنه تنسى الكيفيّة فربّما توهم الزّيادة ، فطلب الزّيادة ظلما ، وربّما توهم النّقصان ، فترك حقّه من غير حمد ولا أجر ، فأمّا إذا كتب كيفيّة الواقعة أمن من هذه المحذورات ، فلمّا دلّ النّصّ على أن هذا هو العلّة ، وهي قائمة في الكلّ كان الحكم أيضا حاصلا في الكلّ.
قوله تعالى : «إلى أجل» : متعلّق بتداينتم ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنه صفة لدين ، و «مسمّى» صفة لدين ، فيكون قد قدّم الصفة المؤولة على الصّريحة ، وهو ضعيف ، فكان الوجه الأول أوجه.
والأجل : في اللغة هو الوقت المضروب لانقضاء الأمد ، وأجل الإنسان هو الوقت لانقضاء عمره ، وأجل الدّين لوقت معيّن في المستقبل ، وأصله من التّأخير يقال : أجل الشّيء بأجل أجولا إذا تأخّر ، والآجل : نقيض العاجل.
فإن قيل : المداينة لا تكون إلا مؤجلة ، فما فائدة ذكر الأجل بعد ذكر المداينة؟
فالجواب : إنّما ذكر الأجل ليمكنه أن يصفه بقوله «مسمّى» والفائدة في قوله «مسمّى» ليعلم أنّ من حقّ الأجل أن يكون [معلوما] كالتّوقيت بالسّنة ، والأشهر ، والأيّام ، فلو قال إلى الحصاد ، أو إلى الدياس ، أو إلى رجوع قدوم الحاج ؛ لم يجز لعدم التّسمية.
وألف «مسمّى» منقلبة عن ياء ، تلك الياء منقلبة عن واو ؛ لأنه من التّسمية ، وقد تقدّم أنّ المادّة من سما يسمو.
فصل
والأجل يلزم في الثّمن في البيع ، وفي السّلم بحيث لا يكون لصاحب الحقّ الطلب قبل محله ، وفي القرض ، لا يلزم الأجل عن أكثر أهل العلم.
قال القرطبي (١) : شروط السّلم تسعة ، ستّة في المسلم فيه ، وثلاثة في رأس مال السّلم.
أمّا السّتّة التي في المسلم فيه فأن يكون في الذّمّة (٢) ، وأن يكون موصوفا (٣) ، وأن يكون الأجل معلوما ، وأن يكون مؤجّلا ، وأن يكون عام الوجود عند الأجل ، وأمّا الثلاثة
__________________
(١) ينظر : القرطبي ٣ / ٢٤٥.
(٢) وقولهم : في الذمة : معنى الذمة في اللغة : العهد ، وعن الفقهاء : هي وصف شرعي يصير به الإنسان أهلا للإلزام والالتزام ، وهذا الوصف هو السبب في صحّة تكليف الشخص بالحقوق له أو عليه.
(٣) وقولهم : موصوف : المراد به : أن يكون السلم فيه مبينة أوصافه التي يختلف بها الثمن عادة ، بحيث تنفى عنه الجهالة الفاحشة المؤدية للمنازعة.