وقوله : «فاستشهدوا» يجوز أن تكون السّين على بابها من الطّلب ، أي : اطلبوا شهيدين ، ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل ، نحو : استعجل بمعنى أعجل ، واستيقن بمعن أيقن فيكون «استشهدوا» بمعنى شهدوا ، يقال أشهدت الرّجل واستشهدته بمعنى واحد ، والشّهيدان : هما الشّاهدان ، فعيل بمعنى فاعل.
وفي قوله : «شهيدين» تنبيه على أنّه ينبغي أن يكون الشّاهد ممّن تتكرّر منه الشّهادة ، حيث أتى بصيغة المبالغة.
قوله : (مِنْ رِجالِكُمْ) يجوز أن يتعلّق باستشهدوا ، وتكون «من» لابتداء الغاية ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف ، على أنّه صفة لشهيدين ، و «من» تبعيضية.
فصل
في المراد بقوله : «من رجالكم» ثلاثة أقوال :
أحدها : قال أكثر العلماء : المراد الأحرار المسلمون.
الثاني : قال شريح ، وابن سيرين : المراد المسلمون ؛ فيدخل العبيد (١).
الثالث : من رجالكم الّذين تعدونهم للشّهادة ، بسبب العدالة. حجّة شريح ، وابن سيرين : عموم الآية ؛ ولأنّ العدالة لا تختلف بالحريّة والرّقّ ، واحتجّ الآخرون بقوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) ، وهذا يقتضي : أنّ الشّاهد ؛ يجب عليه الذّهاب إلى موضع أداء الشّهادة ، ويحرم عليه الامتناع والإجماع على أنّ العبد لا يجب عليه الذّهاب ، فلا يكون شاهدا ، وهذا مذهب الشّافعي ، وأبي حنيفة.
والجواب عن قوله : (مِنْ رِجالِكُمْ) ، أي : الذين تعدّونهم لأداء الشّهادة ، كما قدّمناه.
قوله : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ) ، جوّزوا في : «كان» هذه أن تكون النّاقصة ، وأن تكون التامة ، وبالإعرابين يختلف المعنى : فإن كانت ناقصة فالألف اسمها ، وهي عائدة على الشّهيدين أي : فإن لم يكن الشّاهدان رجلين ، والمعنى على هذا : إن أغفل ذلك صاحب الحقّ ، أو قصد أن لا يشهد رجلين لغرض له ، وإن كانت تامّة فيكون «رجلين» نصبا على الحال المؤكّدة كقوله : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ) [النساء : ١٧٦] ، ويكون المعنى على هذا أنه لا يعدل إلى ما ذكر إلا عند عدم الرّجال. والألف في «يكونا» عائدة على «شهيدين» ، تفيد الرجولية.
فصل
قال القرافيّ : العلماء يقولون : إذا ورد النّصّ بصيغة «أو» فهو للتّخيير ، كقوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ) [المائدة :
__________________
(١) انظر : تفسير القرطبي (٣ / ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤) والبحر المحيط (٢ / ٣٦٢).