وقال عطاء : ولو شاء الله لأدخل عليكم المشقّة كما أدخلتم على أنفسكم ، ولضيّق الأمر عليكم في مخالطتهم (١).
وقال الزّجّاج (٢) : ولو شاء الله لكلفكم ما شقّ عليكم.
والعزيز الذي يأمر بعزة سهل على العبد ، أو شقّ.
والحكيم الذي يتصرّف في ملكه بما يريده لا حجّة عليه ، أو يضع الأشياء في مواضعها.
فصل في بيان التكليف بما لا يطاق
احتجّ الجبّائيّ (٣) بهذه الآية على أنّه تعالى لم يكلّف العبد ما لا يقدر عليه ؛ لأنّ قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) يدلّ على أنّه لم يفعل الإعنات ، ولا ضيق في التّكليف ، ولو كلّف العبد ما لا يقدر عليه ؛ لكان قد تجاوز حدّ الإعنات ، والتّضييق ؛ لأنّ كلمة «لو» تفيد امتناع الشّيء لامتناع غيره.
فإن قيل : الآية وردت في حقّ اليتيم.
قلنا : الاعتبار بعموم اللّفظ ، لا بخصوص السّبب.
واحتجّ الكعبي (٤) بهذه الآية على أنّه تعالى قادر على خلاف العدل ؛ لأنه لو امتنع وصفه بالقدرة على الإعنات ، لم يجز أن يقول : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) ، وللنّظّام (٥) أن يجيب بأنّ هذا معلّق على مشيئة الإعنات ، فلم قلتم بأنّ هذه المشيئة ممكنة الثّبوت في حقّه تعالى.
قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(٢٢١)
الجمهور على فتح تاء المضارعة ، وقرأ الأعمش (٦) بضمّها من : أنكح الرباعي ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٥٩) عن السدي وابن زيد بمعناه.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٤٦.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٤٦.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) انظر : الشواذ ١٣ ، والمحرر الوجيز ١ / ٢٩٦ ، والبحر المحيط ٢ / ١٧٣ ، والدر المصون ١ / ٥٤٠ ، والتخريجات النحوية ٢٣٠.