فصل
في الآية وجوه :
أحدها : أنّ هذا نهي للشّاهد عن الامتناع عن أداء الشّهادة عند احتياج صاحب الحقّ إليها.
الثاني : أراد إذا دعوا لتحمل الشّهادة على الإطلاق ، وهو قول قتادة ، واختيار القفّال ، قال كما أمر الكاتب ألّا يأب الكتابة ، كذلك أمر الشّاهد ألّا يأب من تحمل الشّهادة ، لأنّ كلّ واحد منهما يتعلّق بالآخر وفي عدمها ضياع الحقوق ، وسمّاهم شهداء على معنى أنهم يكونون شهداء ، وهو أمر إيجاب عند بعضهم.
الثالث : المراد تحمّل الشّهادة إذا لم يوجد غيره ، فهو مخير ، وهو قول الحسن (١)
الرابع : قال الزّجّاج (٢) ، وهو مروي عن الحسن أيضا ، وهو قول مجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير : المراد مجموع الأمرين التحمّل أولا ، والأداء ثانيا.
قال الشعبي : الشّاهد بالخيار ما لم يشهد وقال قوم : هو أمر ندب ، وهو مخيّر في جميع الأحوال. قال القرطبيّ (٣) : قد يؤخذ من هذه الآية دليل على أنّه يجوز للإمام أن يقيم للنّاس شهودا ، ويجعل لهم من بيت المال كفايتهم ، فلا يكون لهم شغل إلّا تحمل حفظ حقوق النّاس ، وإن لم يكن ذلك ؛ ضاعت الحقوق وبطلت.
فصل
قال القرطبيّ (٤) : دلّت هذه الآية على أنّ الشّاهد يمشي إلى الحكم ، وهذا أمر بني الشّرع عليه ، وعمل به في كلّ مكان وزمان ، وفهمته كلّ أمّة.
وإذا ثبت هذا فالعبد خارج عن جملة الشّهداء ، فيخص عموم قوله : (مِنْ رِجالِكُمْ) ؛ لأنّه لا يمكنه أن يجيب ؛ لأنّه لا استقلال له بنفسه ، فلا يصحّ له أن يأتي فانحطّ عن منصب الشّهادة ، كما انحطّ عن منصب الولاية ، وكما انحطّ عن فرض الجمعة وعن الجهاد والحجّ.
قوله : (وَلا تَسْئَمُوا) والسّأم والسآمة : الملل من الشّيء والضّجر منه.
قوله : (أَنْ تَكْتُبُوهُ) مفعول به إن شئت جعلته مع الفعل مصدرا تقديره : «ولا تسأموا كتابته» ، وإن شئت بنزع الخافض والنّاصب له «تسأموا» ؛ لأنه يتعدّى بنفسه قال : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٦٩.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ١٠٠.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٣٥٧.
(٤) ينظر : المصدر السابق.