والمفضّل عليه محذوف لفهم المعنى ، أي : أقسط وأقوم ، وأدنى لكذا من عدم الكتب ، وحسّن الحذف كون أفعل خبرا للمبتدأ بخلاف كونه صفة ، أو حالا. وقرأ السّلميّ (١) : «ألّا يرتابوا» بياء الغيبة كقراءة : «ولا يسئموا أن يكتبوه» وتقدّم توجيهه.
فصل في فوائد الإشهاد والكتابة
اعلم أنّ الكتابة ، والاستشهاد تشتمل على ثلاث فوائد :
الأولى : قوله : (أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) ، أي : أعدل عند الله وأقرب إلى الحقّ.
والثانية : قوله : (أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) ، أي : أبلغ في استقامته التي هي ضد الاعوجاج ؛ لأنّ المنتصب القائم ضدّ المنحني المعوج ، وإنّما كانت أقوم للشّهادة ؛ لأنها سبب للحفظ والذكر ، فكانت أقرب إلى الاستقامة.
والفرق بين الفائدة الأولى والثانية أن الأولى تتعلّق بتحصيل مرضاة الله ، والثانية تتعلّق بتحصيل مصلحة الدّنيا ، ولهذا قدمت الأولى عليها ؛ لأن تقديم (٢) مصلحة الدّين على مصلحة الدّنيا واجب.
الفائدة الثالثة (٣) : قوله : (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) يعني أقرب إلى زوال الشّكّ والارتياب عن قلوب المتداينين ، فالفائدة الأولى إشارة إلى تحصيل مصلحة الدّين.
والثّانية : إشارة إلى تحصيل مصلحة الدّنيا.
والثالثة : إشارة إلى دفع الضّرر عن النّفس وعن الغير ، أمّا عن النّفس فلأنه يبقى في الفكران (٤) ، أنّ هذا الأمر كيف كان ، وهذا الذي قلت : هل كان صدقا ، أو كذبا ، أمّا عن الغير ، فلأنّ ذلك الغير ربّما نسبه إلى الكذب ، فيقع في عقاب الغيبة.
قوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) في هذا الاستثناء قولان :
أحدهما : أنه متّصل قال أبو البقاء (٥) : «والجملة المستثناة في موضع نصب ؛ لأنّه استثناء [من الجنس] لأنه أمر بالاستشهاد في كلّ معاملة ، فالمستثنى منها التجارة الحاضرة ، والتّقدير : إلّا في حال حضور التّجارة».
والثاني : أنّه منقطع ، قال مكي بن أبي طالب (٦) : «و «أن» في موضع نصب على الاستثناء المنقطع» وهذا هو الظّاهر ، كأنه قيل : لكنّ التّجارة الحاضرة ، فإنّه يجوز عدم الاستشهاد والكتب فيها.
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٨٣ ، البحر المحيط ٢ / ٣٦٨ ، والدر المصون ١ / ٦٨٣.
(٢) في ب : تحصيل.
(٣) في ب : الثانية.
(٤) في ب : الفكر.
(٥) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٢٠.
(٦) ينظر : المشكل لمكي ١ / ١١٩.