التّعليم ، أو الهداية ، ويجوز أن تكون حالا مقدّرة». قال شهاب الدين : وفي هذين الوجهين نظر ، لأنّ المضارع المثبت لا تباشره واو الحال ، فإن ورد ما ظاهره ذلك يؤوّل ، لكن لا ضرورة تدعو إليه ههنا.
فصل
المعنى : يعلمكم ما يكون إرشادا ، أو احتياطا في أمر الدّنيا ، كما يعلّمكم ما يكون إرشادا في أمر الدّين ، (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، أي : عالم بجميع مصالح الدّنيا ، والآخرة.
قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(٢٨٣)
قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ).
قال أهل اللّغة (س ف ر) تركيب هذه الحروف للظّهور ، والكشف ، والسفر هو الكتاب ؛ لأنه يبيّن الشيء ويوضحه ، وسمي السّفر سفرا ؛ لأنّه يسفر عن أخلاق الرّجال ، أي : يكشف ، أو لأنه لمّا خرج من الكن (١) إلى الصّحراء فقد انكشف للنّاس ؛ أو لأنه لمّا خرج إلى الصّحراء فقد صارت أرض البيت منكشفة خالية ، وأسفر الصّبح : إذا ظهر ، وأسفرت المرأة عن وجهها : إذا كشفته ، وسفرت عن القوم أسفر سفارة ، أي : كشفت ما في قلوبهم ، وسفرت أسفر ، أي : كنست ، والسّفر : الكنس ، وذلك لأنك إذا كنست ، فقد أظهرت ما كان تحت الغبار ، والسّفر من الورق ما سفر به الرّيح ، ويقال لبقية بياض النّهار بغد مغيب الشّمس سفر لوضوحه.
فصل في بيان وجه النّظم
اعلم أنّه تعالى جعل البياعات في هذه الآية على ثلاثة أقسام :
بيع بكتاب وشهود ، وبيع برهن مقبوضة ، وبيع بالأمانة ، ولما أمر في آخر الآية المتقدّمة بالكتاب ، والإشهاد ، وأعلم أنّه ربما تعذّر ذلك في السّفر إمّا ألّا يوجد الكاتب (٢) ، أو إن وجد لكنّه لا توجد آلات الكتابة ، ذكر نوعا آخر من الاستيثاق وهو أخذ الرّهن ، فهذا وجه النّظم ، وهذا أبلغ في الاحتياط من الكتابة والإشهاد.
قوله : (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) في هذه الجملة ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّها عطف على فعل الشّرط ، أي : (وَإِنْ كُنْتُمْ) ، (وَلَمْ تَجِدُوا) فتكون في
__________________
(١) في ب : البادية.
(٢) في ب : الكتاب.