١٣٠١ ـ إلى ردح من الشّيزى ملاء |
|
لباب البرّ يلبك بالشّهاد (١) |
وقرأ ابن أبي عبلة (٢) ـ فيما نقل عنه الزمخشريّ ـ «أثّم قلبه» جعل «أثّم» فعلا ماضيا مشدّد العين ، وفاعله مستتر فيه ، و «قلبه» مفعول به ، أي : جعل قلبه آثما ، أي : أثم هو ؛ لأنه عبّر بالقلب عن ذاته كلّها ؛ لأنه أشرف عضو فيها. وهو ، وإن كان بلفظ الإفراد ، فالمراد به الجمع ، ولذلك اعتبر معناه في قراءة أبي عبد الرحمن ، فجمع في قوله : «ولا يكتموا».
وقد اشتملت هذه الآيات على أنواع من البديع : منها : التجنيس المغاير في (تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) ، ونظائره ، والمماثل في قوله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها) ، والطباق في «تضلّ» و «تذكّر» و «صغيرا وكبيرا» ، وقرأ (٣) السّلميّ أيضا : «والله بما يعملون» بالغيبة ؛ جريا على قراءته بالغيبة.
و «الآثم» : الفاجر روي أنّ عمر كان يعلّم أعرابيّا (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) [الدخان : ٤٣ ، ٤٤] فكان يقول : «طعام اليتيم» فقال له عمر : طعام الفاجر (٤) ، وهذا يدلّ على أنّ الإثم يكون بمعنى الفجور. قيل (٥) : ما وعد الله على شيء كإيعاده على كتمان الشهادة ؛ قال : «فإنّه آثم قلبه» وأراد به مسخ القلب ؛ نعوذ بالله من ذلك.
وقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) تحذير من الإقدام على الكتمان ؛ لأنّ المكلّف إذا علم أنّ الله تعالى لا يعزب عن علمه ضمير قلبه ، كان خائفا حذرا من مخالفة أمر الله تعالى.
قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢٨٤)
في كيفية النّظم وجوه :
الأول : قال الأصمّ (٦) : إنه تعالى لمّا جمع في هذه السّورة أشياء كثيرة من علم الأصول : من دلائل التّوحيد ، والنّبوة ، والمعاد ، وبيان الشّرائع ، والتكاليف ؛ كالصلاة
__________________
(١) البيت لأمية بن أبي الصلت ينظر ديوانه (٢٧٠) ، الهمع ١ / ٨٠ ، المقرب ١ / ١٦٣ ، الدرر ١ / ٥٣ ، أساس البلاغة ص ١٥٩ ، جمهرة اللغة ص ٥٠٢ ، سمط اللآلي ص ٣٦٣ ، المعاني الكبير ١ / ٣٨٠ ، المستقصى ١ / ٢٨١ ، الدرر ١ / ٢٤٩ ، المقرب ١ / ١٦٣ ، اللسان شيز ، الدر المصون ١ / ٦٩٠.
(٢) انظر : الكشاف ١ / ٣٣٠ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٧٣ ، والدر المصون ١ / ٦٩٠.
(٣) انظر : البحر المحيط ٢ / ٣٧٤ ، والدر المصون ١ / ٦٩٠.
(٤) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٧ / ١٠٧) عن عمر بن الخطاب.
(٥) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٧١.
(٦) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ١٠٧.