يفرّقون بين كلّ الرسل ، بل البعض ، وهو محمّد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ؛ فثبت أنّ التأويل الذي ذكروه باطل ، بل معنى الآية : لا نفرّق بين أحد من رسله ، وبين غيره في النبوّة.
فصل
قال شهاب الدين : وهذا وإن كان في نفسه صحيحا ، إلا أنّ القائلين بكون «أحد» بمعنى «جميع» ، وإنما يريدون في العموم المصحّح لإضافة «بين» إليه ؛ ولذلك ينظّرونه بقوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) [الحاقة : ٤٧] ، وبقوله : [الرجز]
١٣٠٤ ـ إذا أمور النّاس ديكت دوكا |
|
لا يرهبون أحدا رأوكا (١) |
فقال : «رأوك» ؛ اعتبارا بمعنى الجميع المفهوم من «أحد».
وإمّا لأن ثمّ معطوفا محذوفا ؛ لدلالة المعنى عليه ، والتقدير : «لا نفرّق بين أحد من رسله ، وبين أحد» وعلى هذا : فأحد هنا ليس الملازم للجحد ، ولا همزته أصلية ، بل هو «أحد» الذي بمعنى واحد ، وهمزته بدل من الواو ، وحذف المعطوف كثير جدّا ، نحو : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] أي : والبرد ، وقوله : [الطويل]
١٣٠٥ ـ فما كان بين الخير لو جاء سالما |
|
أبو حجر إلّا ليال قلائل (٢) |
أي : بين الخير وبيني.
و «من رسله» في محلّ جرّ ؛ لأنه صفة ل «أحد» ، و «قالوا» عطف على «آمن» ، وقد تقدّم أنه حمل على معنى «كلّ».
فصل
قال الواحديّ (٣) ـ رحمهالله ـ : قوله : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) أي : سمعنا قوله ، وأطعنا أمره ، إلّا أنه حذف المفعول.
قال ابن الخطيب (٤) : وحذف المفعول (٥) في هذا الباب ظاهرا وتقديرا ، أولى ؛ لأنّك إذا جعلت التّقدير : سمعنا قوله وأطعنا أمره ، أفاد أن ههنا قول آخر غير قوله ، وأمر آخر يطاع سوى أمره ، فأمّا إذا لم يقدّر فيه ذلك المفعول ، أفاد أنّه ليس في الوجود قول يجب سمعه إلّا قوله ، وليس في الوجود أمر يقال في مقابلته أطعنا إلّا أمره ، فكان حذف المفعول صورة ومعنى في هذا الموضع أولى.
__________________
(١) البيت لرؤبة ينظر القرطبي ٣ / ٤٢٩ ، البحر ٢ / ٣٨٠ ، الدر المصون ١ / ٦٩٤.
(٢) تقدم برقم ٨١٣.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ١١٨.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) في ب : المعقولات.