فصل
احتجوا بهذه الآية على فساد القول بالمحابطة ؛ لأنّه ـ تعالى ـ أثبت كلا الأمرين على سبيل الجمع ، فبيّن أن لها ثواب ما كسبت ، وعليها عقاب (١) ما اكتسبت ، وهذا صريح في اجتماع هذين الاستحقاقين ، وأنه لا يلزم من طريان أحدهما زوال الآخر.
قال الجبّائي (٢) : ظاهر الآية وإن دلّ على الإطلاق ، إلّا أنّه مشروط ، والتّقدير : لها ما كسبت من ثواب العمل الصّالح إذا لم يبطله ، وعليها ما اكتسبت من العقاب إذا لم يكفّره بالتّوبة ، وإنّما صرنا إلى إضمار هذا الشّرط ، لمّا ثبت أن الثّواب يجب أن يكون منفعة خالصة دائمة ، والجمع بينهما محال في العقول ، فكان الجمع بين استحقاقيهما أيضا محال.
فصل
تمسّك الفقهاء بهذه الآية في أنّ الأصل في الأملاك البقاء والاستمرار ؛ لأن اللام في قوله : (لَها ما كَسَبَتْ) تدلّ على ثبوت الاختصاص ، ويؤكّد ذلك قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «كلّ امرئ أحقّ بكسبه من والده وولده وسائر النّاس أجمعين» (٣) ، وينبني على هذا الأصل فروع كثيرة :
منها : أن المضمونات لا تملك إلّا بأداء الضّمان (٤) ؛ لأن المقتضي لبقاء الملك قائم.
ومنها : إذا غصب ساجة فأدرجها في بنائه ، أو حنطة فطحنها ، لا يزول الملك.
ومنها : أن القطع في السّرقة لا يمنع وجوب الضّمان ؛ لأن المقتضي لبقاء الملك قائم ، وهو قوله : (لَها ما كَسَبَتْ) ويجب ردّ المسروق إن كان باقيا.
__________________
(١) في ب : عذاب.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ١٢٤.
(٣) تقدم.
(٤) الضمان ، والحمالة ، والكفالة : ألفاظ مترادفة ، معناها لغة : الحفظ ، ويقال لها : إذانة ، وضمانة ، وقبالة ، وزعامة. قال الله تعالى : وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ، وفي مختار الصحاح : القبيل الكفيل. وقول العرب : هو ضمين وحميل وأذين بكذا بمعنى : حافظ له ، وقال عزوجل : وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا وتطلق الزعامة على السيادة ، فكأن الضامن لمّا تكفل بالمضمون ، صار له عليه سيادة ، وتطلق الإذانة كالإذان والإذن على الإعلام وفي عرف الفقهاء : هو التزام مكلف غير سفيه دينا على غيره ، أو طلبه من عليه الحق لمن هو له بما يدلّ عليه.
ينظر : تحرير التنبيه ٢٢٧ ، مختار الصحاح ٣٨٤ ، ولسان العرب ٤ / ٢٦١٠ ، شرح فتح القدير ٧ / ١٦٣ ، المحلي على المنهاج ٢ / ٣٢٣ ، مواهب الجليل ٥ / ٩٦ ، الإقناع ٢ / ٣٧ ، كشاف القناع ٣ / ٣٦٢ أسهل المدارك ٣ / ١٩.