وأمّا التّمسّك بقوله : (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) فجوابه : أنّا لما فرّقناين الكتابيّة وبين المرتدّة في أحكام كثيرة ، فلم لا يجوز الفرق بينهما أيضا في هذا الحكم؟
أمّا تمسّكهم بأثر عمر ، فقد نقلنا عنه أنّه قال : ليس بحرام ، وإذا حصل التّعارض بينهما ؛ سقط الاستدلال بهما ، وسلم باقي الأدلّة.
فصل في نكاح الكتابيّات
قال القرطبيّ (١) : وأمّا نكاح أهل الكتاب إذا كانوا حربا ، فلا يحلّ.
وسئل ابن عبّاس عن ذلك ، فقال : لا تحلّ ، وتلا قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩] قال الرّاوي : تحدّث بذلك إبراهيم النّخعيّ ، فأعجبه.
فصل
نقل عن الحسن أنّه قال : هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من تزويج المشركات (٢).
قال بعض العلماء : إن كان إقدامهم على نكاح المشركات من قبل العادة ، لا من قبل الشّرع ؛ امتنع كون هذه الآية ناسخة ؛ لأنّه ثبت في الأصول أنّ النّاسخ والمنسوخ يجب أن يكونا حكمين شرعيين (٣) ، وإن كان جواز نكاح المشركات ثابتا من جهة الشّرع ، كانت هذه الآية ناسخة.
قوله : (حَتَّى يُؤْمِنَّ) «حتّى» بمعنى : «إلى» فقط ، والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» ، أي : إلى أن يؤمنّ ، وهو مبنيّ على المشهور لاتصاله بنون الإناث ، والأصل : يؤمنن ، فأدغمت لام الفعل في نون الإناث.
فصل في بيان قوله تعالى (حَتَّى يُؤْمِنَّ)
اتّفق الكلّ على المراد من قوله (حَتَّى يُؤْمِنَّ) الإقرار بالشّهادة والتزام أحكام
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٤٧.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٢.
(٣) اعلم أن للنسخ شروطا بعضها متفق عليه ، وبعضها مختلف فيه. أما المتفق عليه : فكون الناسخ والمنسوخ حكمين شرعيين ، فإن العجز والموت كل واحد منهما يزيل التعبد الشرعي ، ولا يسمّى نسخا ؛ وكذا إزالة الحكم العقلي بالحكم الشرعي لا يسمى نسخا ، وكون الناسخ منفصلا عن المنسوخ متأخرا عنه ؛ فإن الاستثناء والغاية لا يسميان نسخا.
وقد تضمنت التعريفات المذكورة للنسخ سابقا هذه الشروط وأما المختلف فيه فاشتراط كون الناسخ والمنسوخ من جنس واحد واشتراط البدل للمنسوخ ، واشتراط كونه أخف من المنسوخ أو مثله. ومنها اشتراط التمكن من الفعل قبل نسخه. ويتفرع على بعض الشروط المختلف فيها مسائل ، فمن خالف في هذه الشروط ، خالف في تلك المسائل فلتنظر في كتب الأصول.