الإسلام ، وإذا كان كذلك احتجّت الكرّاميّة بهذه الآية على أنّ الإيمان عبارة عن مجرّد الإقرار ؛ لأنّه غيّا التحريم إلى الإيمان ، وهو هنا الإقرار ؛ فثبت أنّ الإيمان في عرف الشّرع عبارة عن الإقرار ، وأجيبوا بوجوه :
منها : قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٨].
ومنها : قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٤] ؛ ولو كان الإيمان عبارة عن مجرّد الإقرار ، لكان قوله (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) كذبا. وأجيبوا عن التّمسّك بهذه الآية بأنّ التّصديق الذي في القلب لا يمكن الاطّلاع عليه ، فأقيم الإقرار باللّسان مقام التّصديق بالقلب.
قوله : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ). قال أبو مسلم (١) : اللام في قوله : «ولأمة» تشبه لام القسم في إفادة التّوكيد.
سوّغ الابتداء ب «أمة» شيئان : لام الابتداء والوصف. وأصل «أمة» : أمو ، فحذفت لامها على غير قياس ، وعوّض منها تاء التّأنيث ك «قلة» ، و «ثبة» يدلّ على أنّ لامها واو رجوعها في الجمع ؛ قال الكلابيّ : [البسيط]
١٠٧٧ ـ أمّا الإماء فلا يدعونني ولدا |
|
إذا تداعى بنو الإموان بالعار (٢) |
ولظهورها في المصدر أيضا ، قالوا : أمة بيّنة الأموّة وأقرّت له بالأموّة. وهل وزنها «فعلة» بتحريك العين ، أو «فعلة» بسكونها؟ قولان ، أظهرهما الأوّل ، وكان قياسها على هذا أن تقلب لامها ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها كفتاة وقناة ، ولكن حذفت على غير قياس.
والثاني : قال به أبو الهيثم ، فإنّه زعم أنّ جمع الأمة أمو ، وأنّ وزنها فعلة بسكون العين ، فيكون مثل نخل ، ونخلة ، فأصلها أموة ، فحذفوا لامها إذ كانت حرف لين ، فلمّا جمعوها على مثل : نخلة ونخل لزمهم أن يقولوا : أمة ، وأم ، فكرهوا أن يجعلوها حرفين ، وكرهوا أن يردّوا الواو المحذوفة لمّا كانت آخر الاسم ، فقدّموا الواو وجعلوه ألفا بين الهمزة والميم ، فقالوا : أام. وما زعمه ليس بشيء إذ كان يلزم أن يكون الإعراب على الميم ، كما كان على لام «نخل» ، وراء «تمر» ، ولكنه على التّاء المحذوفة مقدّر كما سيأتي بيانه. وجمعت على «إموان» كما تقدّم ، وعلى إماء ، والأصل : إماو ، نحو رقبة ، ورقاب ، فقلبت الواو همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة ككساء. وفي الحديث : «لا
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٢.
(٢) ينظر ديوانه ص ٥٤ ، ٥٥ ، شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٧٣ ، الكتاب ٣ / ٤٠٢ ، ٦٠١ ، اللسان (أما) ، جمهرة اللغة ص ٢٤٨ ، ١٣٠٢ ، ابن الشجري ٢ / ٥٣ ، الدر المصون ١ / ٥٤١.