فصل في سبب النّزول
نزلت هذه الآية في خنساء ، وهي وليدة سوداء ، كانت لحذيفة بن اليمان ، قال حذيفة : يا خنساء قد ذكرت في الملأ الأعلى على سوادك ودمامتك ؛ فأعتقها وتزوجها (١).
وقال السّدّيّ : نزلت في عبد الله بن رواحة كانت له أمة سوداء ، فغضب عليها ، ولطمها ، ثم أتى النّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأخبره بذلك ، فقال له ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «وما هي»؟ فقال : تشهد ألّا إله إلا الله ، وأنّك رسول الله ، وتحسن الوضوء وتصلّي فقال : «إنّ هذه مؤمنة» قال عبد الله : فو الّذي بعثك بالحقّ نبيّا ، لأعتقها ولأتزوجها ، ففعل ، فطعن عليه ناس من المسلمين ، وقالوا : تنكح أمة؟! وعرضوا عليه حرّة مشركة. فأنزل الله هذه الآية (٢).
فصل في بيان الخيريّة في الآية
والخير هاهنا النفع الحسن ، والمعنى : أنّ المشركة ـ وإن كانت ثابتة في المال ، والجمال ، والنّسب ـ فالأمة المؤمنة خير منها إلّا أن الإيمان يتعلّق بالدّين ، والمال ، والجمال ، والنّسب متعلّق بالدّين والدّنيا ، ولا شكّ أنّ الدّين خير من الدنيا ؛ لأنه أشرف الأشياء عند كل أحد ، فإذا اتفق الدين كملت المحبة فتكمل منافع الدنيا من الصحة والطاعة وحفظ الأموال والأولاد ، وعند اختلاف الدين لا يحصل شيء من ذلك.
فصل في تقرير مذهب أبي حنيفة في القادر على التزوّج بأمة مع وجود الحرة
قال الجبائي (٣) : دلت الآية على أن القادر على طول الحرة يجوز له التزوج بالأمة كمذهب أبي حنيفة ؛ لأن الآية دلت على أن الواجد لطول الحرة المشركة يكون ـ لا محالة ـ واجدا لطول الحرة المسلمة لأن سبب التفاوت في الإيمان والكفر لا يتفاوت في قدر المال المحتاج إليه في أهبة النكاح فيلزم ـ قطعا ـ أن يكون الواجد لطول الحرة المسلمة يجوز له نكاح الأمة ، وهو استدلال لطيف.
قوله : (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) ، وقوله : (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) هذه الجملة في محلّ نصب على الحال ، وقد تقدّم أنّ «لو» هذه في مثل هذا التّركيب شرطيّة بمعنى : «إن» نحو : «ردّوا السّائل ، ولو بظلف محرق» (٤) ، وأنّ الواو للعطف على حال محذوفة ، التّقدير : خير من
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٥٩) وعزاه لابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان.
(٢) أخرجه الواحدي من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس كما في «الدر المنثور» (١ / ٤٥٩).
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩) عن السدي.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٢.
(٤) تقدم.