مشركة على كلّ حال ، ولو في هذه الحال ، وأنّ هذا يكون لاستقصاء الأحوال ، وأنّ ما بعد «لو» هذه إنّما يأتي وهو مناف لما قبله بوجه ما ، فالإعجاب مناف لحكم الخيريّة ، ومقتض جواز النّكاح لرغبة النّاكح فيها. وقال أبو البقاء : «لو» هنا بمعنى «إن» وكذا كلّ موضع وقع بعد «لو» الفعل الماضي ، وكان جوابها متقدّما عليها ، وكونها بمعنى «إن» لا يشترط فيه تقدّم جوابها ؛ ألا ترى أنّهم قالوا في قوله تعالى : (لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) إنّها بمعنى : «إن» مع أنّ جوابها وهو : «خافوا» متأخّر عنها ، وقد نصّ هو على ذلك في آية النّساء قال في خافوا : وهو جواب «لو» ومعناها «إن».
فصل في نكاح الأمة الكتابيّة
قال القرطبيّ (١) : اختلفوا في نكاح الأمة الكتابيّة ؛ فقال مالك : من أسلم وتحته أمة كتابيّة أنّه لا يفرّق بينهما.
وقال أبو حنيفة وأصحابه : يجوز نكاح إماء أهل الكتاب. قال ابن العربيّ : احتجّ أصحاب أبي حنيفة على جواز نكاح الأمة بقوله تعالى : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) ووجه الدلالة : أنّه تعالى خاير بين نكاح الأمة المؤمنة والمشركة ، فلولا أنّ نكاح الأمة المشركة جائز لما خاير بينهما ؛ لأنّ المخايرة إنّما هي بين الجائزين ، لا بين جائز وممتنع ، ولا بين متضادين.
والجواب : أنّ المخايرة بين الضدّين تجوز لغة وقرآنا ، قال تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) [الفرقان : ٢٤].
وقال عمر في رسالته لأبي موسى الأشعري : الرّجوع إلى الحقّ خير من التّمادي في الباطل(٢).
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٤٧.
(٢) ونص الرسالة : «عن أبي المليح الهذلي ، قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري : أما بعد : فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة ، فافهم إذا أدلي إليك بحجة ، وأنفذ الحق إذا وضح ، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ، ولا يطمع الشريف في حيفك ، البينة على من ادّعى ، واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما ، أو حرم حلالا ، لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت من نفسك ، وهديت فيه لرشدك ألا تراجع الحق ؛ فإن الحق قديم ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك ، ما لم يبلغك في الكتاب أو السنة (اعرف الأمثال والأشباه ، ثم قس الأمور عند ذلك) ، (فاعمد إلى أحبها عند الله وأشبهها بالحق فيما ترى) ، واجعل لمن ادعى منه أمدا ينتهي إليه ، فإن أحضر بينته أخذ بحقه ، وإلا وجهت القضاء عليه ؛ فإن ذلك أجلى للعمى ، وأبلغ في العذر ، المسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلا مجلودا في حدّ ، أو مجربا في شهادة زور ، أو ظنينا في ولاء ، أو قرابة ، إن الله تولى منكم السرائر ، ودرأ عنكم بالبينات ، وإياك والقلق والضجر والتأذي بالناس ، والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ويحسن بها الذخر ؛ فإنه من ـ