ومثله : «المقيل» من قال يقيل ؛ قال الرّاعي : [الكامل]
١٠٨٠ ـ بنيت مرافقهنّ فوق مزلّة |
|
لا يستطيع بها القراد مقيلا (١) |
وكذلك قال الطّبريّ : «إنّ المحيض اسم كالمعيش : اسم العيش» ؛ وأنشد لرؤبة : [الرجز]
١٠٨١ ـ إليك أشكو شدّة المعيش |
|
ومرّ أعوام نتفن ريشي (٢) |
وقيل : المحيض في الآية المراد به : اسم موضع الدّم ، وعلى هذا فهو مقيس اتّفاقا ، ويؤيّد الأوّل قوله : (قُلْ هُوَ أَذىً). وقد يجاب عنه بأنّ ثمّ حذف مضاف ، أي : هو ذو أذى ، ويؤيّد الثّاني قوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ). ومن حمله على المصدر قدّر هنا حذف مضاف ، أي : فاعتزلوا وطء النّساء في زمان الحيض ، ويجوز أن يكون المحيض الأوّل مصدرا والثّاني مكانا.
حكى الواحديّ في «البسيط» (٣) عن ابن السّكّيت : إذا كان الفعل من ذوات الثلاثة نحو : كال يكيل ، وحاض يحيض وأشباهه ، فإنّ الاسم منه مكسور والمصدر مفتوح ، من ذلك مال ممالا ، وهذا مميله يذهب بالكسر إلى الاسم ، وبالفتح إلى المصدر ، ولو فتحهما جميعا ، أو كسرهما جميعا في المصدر والاسم لجاز ، تقول : المعاش ، والمعيش ، والمغاب ، والمغيب ، والمسار والمسير فثبت أنّ لفظ المحيض حقيقة في موضع الحيض ، وأيضا هو اسم لنفس الحيض.
قال ابن الخطيب (٤) : وعندي أنّه ليس كذلك ؛ إذ لو كان المراد بالمحيض هنا الحيض ، لكان قوله تعالى (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) معناه : فاعتزلوا النّساء في الحيض ، ويكون المراد : فاعتزلوا النساء في زمن الحيض ، فيكون ظاهره مانعا من الاستمتاع بهنّ فيما فوق السّرّة ، ودون الرّكبة ، ولما كان هذا المنع غير ثابت لزم القول بتطرّق النّسخ ، والتّخصيص إلى الآية ، وهو خلاف الأصل ، أما إذا حملنا المحيض على موضع الحيض ؛ كان معنى الآية : فاعتزلوا النّساء في موضع الحيض من النّساء ، وعلى هذا التّقدير لا يتطرّق إلى الآية نسخ ، ولا تخصيص.
ومن المعلوم أنّ اللّفظ إذا كان مشتركا بين معنيين وكان حمله على أحدهما يوجب محذورا ، وعلى الآخر لا يوجب ذلك المحذور ، فإنّ حمل اللّفظ على المعنى الّذي لا
__________________
(١) ينظر ديوانه ص ٢٤١ ، والحيوان ٥ / ٤٣٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣٢ ، وشرح اختيارات المفضل ص ٢٥٠ ، ٩٨٣ ، والكتاب ٤ / ٨٩ ، ولسان العرب (حبس) (زلل) ، والدر المصون ١ / ٥٤٣.
(٢) ينظر ديوانه ٨٧ ، القرطبي ٣ / ٨١ ، الدر المصون ١ / ٥٤٣.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٤ ـ ٥٥.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٥.