لوط : (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف : ٨٢] ، فكان قوله : (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ترك الإتيان في الأدبار.
السادس : أنّه ـ تعالى ـ لمّا أمرهنّ بالتّطهير في قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) ، فلا حرم مدح التّطهير ، فقال : (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) والمراد منه التّطهير بالماء ؛ قال ـ تعالى ـ : (رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة : ١٠٨] ، قيل في التّفسير : إنهم كانوا يستنجون بالماء ، وكرّر قوله «يحبّ» ؛ دلالة على اختلاف المقتضي للمحبّة ، فتختلف المحبّة.
قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(٢٢٣)
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) : مبتدأ وخبر ، ولا بدّ من تأويل ، ليصحّ الإخبار عن الجثة بالمصدر ، فقيل : على المبالغة ، جعلوا نفس الفعل ، وقيل : أراد بالمصدر ، اسم المفعول ، وقيل : على حذف مضاف من الأوّل ، أي : وطء نسائكم حرث ، أي : كحرث ، وقيل : من الثاني ، أي : نساؤكم ذوات حرث ، و «لكم» في موضع رفع ؛ لأنه صفة ل «حرث» ، فيتعلّق بمحذوف ، وإنما أفرد الخبر ، والمبتدأ جمع ؛ لأنه مصدر والأفصح فيه الإفراد.
قوله : (أَنَّى شِئْتُمْ) ، ظرف مكان ، ويستعمل شرطا واستفهاما بمعنى «متى» ، فيكون ظرف زمان ، ويكون بمعنى «كيف» ، وبمعنى «من أين» ، وقد فسّرت الآية الكريمة بكلّ من هذه الوجوه ، وقال النحويون : «أنّى» لتعميم الأحوال ، وقال بعضهم : إنما تجيء سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات ، فهي على هذا أعمّ من «كيف» ، ومن «أين» ، ومن «متى» ، وقالوا : إذا كانت شرطية ، فهي ظرف مكان فقط ، واعلم أنها مبنية ؛ لتضمّنها : إمّا معنى حرف الشرط ، والاستفهام ، وهي لازمة النصب على الظرفية ، والعامل فيها هنا قالوا : الفعل قبلها وهو : «فأتوا» قال أبو حيان : وهذا لا يصحّ ؛ لأنّها إمّا شرطية أو استفهامية ، لا جائز أن تكون شرطية ؛ لوجهين :
أحدهما : من جهة المعنى ، وهو أنّها إذا كانت شرطا ، كانت ظرف مكان ، كما تقدّم ؛ وحينئذ : يقتضي الكلام الإباحة في غير القبل ، وقد ثبت تحريم ذلك.
والثاني : من جهة الصناعة ، وهو أنّ اسم الشرط لا يعمل فيه ما قبله ؛ لأنّ له صدر الكلام ، بل يعمل فيه فعل الشرط ؛ كما أنه عامل في فعل الشرط الجزم ، ولا جائز أن تكون استفهاما ؛ لأنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ؛ لأنّ له صدر الكلام ، ولأنّ «أنّى» إذا كانت استفهامية ، اكتفت بما بعدها من فعل واسم ، نحو : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) [الأنعام : ١٠١] (أَنَّى لَكِ هذا) [آل عمران : ٢٧] وهذه في هذه الآية مفتقرة لما قبلها كما ترى ، وهذا موضع مشكل يحتاج إلى تأمل ونظر.