الخندق ، فوقع في الخندق مع فرسه فتحطّما جميعا فقتله الله ، فطلب المشركون جيفته بالثمن ؛ فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خذوه فإنّه خبيث الجيفة ، خبيث الدّية (١).
فصل
اتفق الجمهور : على أنّ هذه الآية تدلّ على حرمة القتال في الشهر الحرام ، ثمّ اختلفوا : هل ذلك الحكم باق أو نسخ؟
فقال ابن جريج : حلف لي عطاء بالله أنّه لا يحلّ للناس الغزو في الحرم ، ولا في الشّهر الحرام ، إلّا على سبيل الدّفع (٢) وروى جابر قال : لم يكن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يغزو في الشهر الحرام إلّا أن يغزى (٣).
وسئل سعيد بن المسيب : هل يجوز للمسلمين أن يقاتلوا الكفّار في الشهر الحرام؟ قال : نعم (٤).
قال أبو عبيد : والناس بالثغور اليوم جميعا يرون الغزو على هذا القول مباحا في الشهور كلّها (٥) ولم أر أحدا من علماء «الشام» (٦) ، و «العراق» (٧) ينكره عليهم ، وكذلك أحسب قول أهل الحجاز.
__________________
ـ المسلمين ، فجعل ظهره إلى سهل «سلع» وضرب هنالك عسكره ، والخندق بينه وبين القوم ، وانضم بنو قريظة إلى جيش الأحلاف ، فعظم بذلك البلاء على المسلمين ، وبينما المسلمون على ذلك إذا بالخلاف يدب بين جيش الكفار بوساطة نعيم بن مسعود الغطفاني ، وتهب عاصفة شديدة فتقلع الخيام ، وتقلب قدور الطعام ، وتهدم المعسكر فيرتحلون جميعا بغيظهم لم ينالوا خيرا ، ويكفي الله المؤمنين شر القتال.
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ـ ٣٠٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٤٨) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وأخرجه البزار (٢١٩١ ـ زوائده) عن ابن عباس بمعناه وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٦ / ٢٠١ ـ ٢٠٢) وقال : وفيه أبو سعيد البقال وهو ضعيف وأخرجه الطبري (٤ / ٣٠٦) والطبراني في «الكبير» كما في «المجمع» (٦ / ٢٠١) وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في «الدر المنثور» (١ / ٤٤٨) عن جندب بن عبد الله.
وقال الهيثمي في «المجمع (٦ / ٢٠١) : ورجاله ثقات.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٢٨.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٠٠) عن جابر بن عبد الله.
(٤) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» ٦ / ٢٨.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) بفتح أوله ، وسكون همزته أو فتحها ، ولغة ثالثة بغير همز ، ولا تمد إلا أنها جاءت ممدودة في شعر قديم وحديث ، ولعله لضرورة الشعر ؛ ويذكر ويؤنث.
وسميت بالشام ؛ لتشاؤم بني كنعان بن حام إليها ، أو لأن «سام بن نوح» أول من نزلها ، فجعلت السين شينا ، وكان اسمها الأول سوري ، وحدّها من الفرات إلى العريش طولا وعرضا من جبلي طيئ إلى بحر الروم وبها من أمهات المدن : منبج ، وحلب ، وحماة ، وحمص ، ودمشق ، وبيت المقدس ، وفي سواحلها عكّا ، وصور ، وعسقلان. ينظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٧٧٥.
(٧) والعراق المشهور هو ما بين حديثة الموصل إلى عبّادان طولا وما بين عذيب القادسية إلى حلوان ـ