قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(٢٢٥)
اللام في قوله «لأيمانكم» تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون مقوية لتعدية «عرضة» ، تقديره : ولا تجعلوا الله معدّى ومرصدا لحلفكم.
والثاني : أن تكون للتعيل ، فتتعلّق بفعل النهي ، أي : لا تجعلوه عرضة لأجل أيمانكم.
قوله : «أن تبرّوا» فيه ستة أوجه :
أحدها : ـ وهو قول الزجاج (١) ، والتّبريزي ، وغيرهما ـ : أنها في محلّ رفع بالابتداء ، والخبر محذوف ، تقديره : أن تبرّوا وتتقوا وتصلحوا خير لكم من أن تجعلوه عرضة لأيمانكم ، أو برّكم أولى وأمثل ، وهذا ضعيف ؛ لأنه يؤدّي إلى انقطاع هذه الجملة عمّا قبلها ، والظاهر تعلّقها به.
والثاني : أنّها في محلّ نصب على أنها مفعول من أجله ، وهذا قول الجمهور ، ثم اختلفوا في تقديره : فقيل : إرادة أن تبرّوا وقيل : كراهة أن تبرّوا ، قاله المهدويّ ، وقيل : لترك أن تبرّوا ، قاله المبرّد ، وقيل : لئلّا تبرّوا ، قاله أبو عبيدة والطّبريّ ؛ وأنشدا : [الطويل]
١٠٨٣ ـ ... فلا والله تهبط تلعة |
|
..........(٢) |
أي : لا تهبط ، فحذف «لا» ومثله : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] ، أي : لئلا تضلّوا ، وتقدير الإرادة هو الوجه ، وذلك أن التقادير التي ذكرناها بعد تقدير الإرادة لا يظهر معناها ؛ لما فيه من تعليل امتناع الحلف بانتفاء البرّ ، بل وقوع الحلف معلّل بانتفاء البرّ ، ولا ينعقد منهما شرط وجزاء ، لو قلت في معنى هذا النهي وعلّته : «إن حلفت بالله ، بررت» لم يصحّ ، بخلاف تقدير الإرادة ؛ فإنه يعلّل امتناع الحلف بإرادة وجود البرّ ، وينعقد منهما شرط وجزاء تقول : إن حلفت ، لم تبرّ ، وإن لم تحلف ، بررت.
الثالث : أنّها على إسقاط حرف الجرّ ، أي : في أن تبرّوا ؛ وحينئذ : يجيء فيها القولان : قول سيبويه والفراء (٣) فتكون في محلّ نصب ، وقول الخليل والكسائيّ ، فتكون
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للزجاج ١ / ٢٩٣.
(٢) تقدم برقم ٩٣٥.
(٣) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ١٧.