فصل في سبب النزول
نزلت هذه الآية في عبد الله بن رواحة ؛ كان بينه وبين ختنه على أخيه بشير بن النّعمان شيء ، فحلف عبد الله ألّا يدخل عليه ، ولا يكلّمه ، ولا يصلح بينه وبين خصمه ، وإذا قيل له فيه ، قال : قد حلفت بالله ألّا أفعل ، فلا يحلّ لي إلّا أن تبرّ يميني فأنزل الله هذه الآية (١).
وقال ابن جريج : نزلت في أبي بكر الصّدّيق ، حين حلف ألّا ينفق على مسطح حين خاض في حديث الإفك (٢) ، ومعنى الآية : لا تجعلوا الحلف بالله شيئا مانعا لكم من البرّ والتّقوى ، يدعى أحدكم إلى صلة الرّحم أو برّ ، فيقول : حلفت بالله ألّا أفعله ، فيعتل بيمينه في ترك البرّ(٣).
قوله : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ختم بهاتين الصفتين ؛ لتقدّم مناسبتهما ؛ فإنّ الحلف متعلّق بالسّمع ، وإرادة البرّ من فعل القلب متعلقة بالعلم ، وقدّم السميع ؛ لتقدّم متعلّقه ، وهو الحلف.
قوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ).
واللّغو : مصدر لغا يلغو ، يقال : لغا يلغو لغوا ، مثل غزا يغزو غزوا ، ولغي يلغى لغّى مثل لقي يلقى لقّى إذا أتى بما لا يحتاج إليه من الكلام ، أو بما لا خير فيه ، أو بما يلغى إثمه ؛ كقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة : أنصت فقد لغوت» (٤).
ومن الثاني قوله تعالى : (وَالْغَوْا فِيهِ).
قال الفرّاء : اللّغا مصدر للغيت (٥).
قال أبو العبّاس المقري : ورد لفظ «اللّغو» في القرآن على ثلاثة أوجه :
الأول : بمعنى اليمين بغير عقديّة كهذه الآية.
__________________
(١) ذكره ابن عطية في تفسيره (١ / ٣٠١) والسمرقندي في «تفسيره» «بحر العلوم» (١ / ٢٠٦) عن الكلبي.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٤٣٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٧٩) عن ابن جريج.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٠٠.
(٤) أخرجه البخاري (٢ / ٤٨) كتاب الجمعة باب الإنصات يوم الجمعة رقم (٩٣٤) ومسلم (٣ / ٤) والنسائي (١ / ٢٠٨) والترمذي (٢ / ٣٨٧) وابن ماجه (١١١٠) والدارمي (١ / ٣٦٤) والبيهقي (٣ / ٢١٨) وأحمد (٢ / ٢٧٢ ، ٣٩٣ ، ٣٩٦ ، ٤٧٤ ، ٤٨٥) من طرق عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا وللحديث شاهد من حديث أبي بن كعب : أخرجه ابن ماجه (١١١١) وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (٥ / ١٤٣) وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (١ / ٧٧) هذا إسناد رجاله ثقات وأورده المنذري في «الترغيب والترهيب» (١ / ٢٥٧) وقال إسناده حسن.
(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٦٦.