قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٢٢٧)
قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ) : هذه جملة من مبتدأ وخبر ، وعلى رأي الأخفش من باب الفعل والفاعل ؛ لأنه لا يشترط الاعتماد ، و (مِنْ نِسائِهِمْ) في هذا الجارّ ثمانية أوجه :
أحدها : أن يتعلّق ب «يؤلون».
قال الزمخشريّ : «فإن قلت : كيف عدّي ب «من» وهو معدى ب «على»؟ قلت: قد ضمّن في هذا القسم المخصوص معنى البعد ، فكأنه قيل : يبعدون من نسائهم مؤلين ، أو مقسمين».
الثاني : أنّ «آلى» يتعدّى ب «على» وب «من» ؛ قاله أبو البقاء (١) نقلا عن غيره ؛ أنه يقال : آلى من امرأته ، وعلى امرأته.
الثالث : أنّ «من» قائمة مقام «على» على رأي الكوفييّن.
والرابع : أنها قائمة مقام «في» ، ويكون ثم مضاف محذوف ، أي : على ترك وطء نسائهم ، أو في ترك وطء نسائهم.
والخامس : أنّ «من» زائدة ، والتقدير : يؤلون أن يعتزلوا نساءهم.
والسادس : أن تتعلّق بمحذوف ، والتقدير : والذين يؤلون لهم من نسائهم تربّص أربعة أشهر ؛ فتتعلّق بما يتعلق به «لهم» المحذوف ، هكذا قدّره أبو حيّان وعزاه للزمخشريّ قال شهاب الدين وفيه نظر ؛ فإنّ الزمخشريّ قال : ويجوز أن يراد : لهم من نسائهم تربّص ؛ كقولك : «لي منك كذا» فقوله «لهم» لم يرد به أن ثمّ شيئا محذوفا ، وهو لفظ «لهم» ، إنما أراد أن يعلّق «من» بالاستقرار الذي تعلّق به «للّذين» ، غاية ما فيه : أنه أتى بضمير «الّذين» تبيينا للمعنى ، وإلى هذا المنحى نحا أبو البقاء (٢) ؛ فإنه قال : وقيل : الأصل «على» ، ولا يجوز أن تقوم «من» مقام «على» فعلى ذلك تتعلّق «من» بمعنى الاستقرار ، يريد الاستقرار الذي تعلّق به قوله «للّذين» ، وعلى تقدير تسليم أنّ لفظة «لهم» مقدرة ، وهي مرادة ، فحينئذ : إنما تكون بدلا من «للّذين» بإعادة العامل ، وإلّا يبقى قوله (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ) مفلتا ، وبالجملة فتعلّقه بالاستقرار غير ظاهر ، وأمّا تقدير الشيخ : «والذين يؤلون لهم من نسائهم تربّص» ، فليس كذلك ؛ لأنّ «الّذين» لو جاء كذلك غير مجرور باللام ، سهل الأمر الذي ادّعاه ، ولكن إنما جاء كما تراه مجرورا باللام ، سهل الأمر الذي ادّعاه ، ولكن إنما جاء كما تراه مجرورا باللام ، ثم قال أبو حيّان : وهذا كلّه ضعيف ينزّه
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٥.
(٢) ينظر : المصدر السابق.