فما تقول في النكاح المعقود بشرط التحليل؟ قلت : ذهب سفيان والأوزاعى وأبو عبيد ومالك وغيرهم إلى أنه غير جائز ، وهو جائز عند أبى حنيفة مع الكراهة. وعنه أنهما إن أضمرا التحليل ولم يصرحا به فلا كراهة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه لعن المحلل والمحلل له (١). وعن عمر رضى الله عنه : لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما (٢). وعن عثمان رضى الله عنه : لا إلا نكاح رغبة غير مدالسة (٣). (فَإِنْ طَلَّقَها) الزوج الثاني. (أَنْ يَتَراجَعا) أن يرجع كل واحد منهما إلى صاحبه بالزواج (إِنْ ظَنَّا) إن كان في ظنهما أنهما يقيمان حقوق الزوجية. ولم يقل : إن علما أنهما يقيمان ، لأنّ اليقين مغيب عنهما لا يعلمه إلا الله عز وجل. ومن فسر الظن هاهنا بالعلم فقد وهم من طريق اللفظ والمعنى ، لأنك لا تقول : علمت أن يقوم زيد ، ولكن : علمت أنه يقوم ، ولأنّ الإنسان لا يعلم ما في الغد ، وإنما يظن ظنا.
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢٣٢)
__________________
(١) روى عن ابن مسعود وعلى وجابر وعقبة بن عامر ، وأبى هريرة. وابن عباس. قلت : أحال بها على تخريج الهداية وحديث ابن مسعود أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن دقيق العيد على شرط البخاري. وحديث ابن عباس أخرجه ابن ماجة. وحديث على أخرجه أحمد وأبو داود. وحديث أبى هريرة رواه أحمد والبيهقي وحديث عقبة بن عامر أخرجه ابن ماجة. وحديث جابر ذكره الترمذي.
(٢) أخرجه عبد الرزاق وابن أبى شيبة ، من رواية المسيب بن رافع عن قبيصة بن جابر عن عمر فذكره.
(٣) لم أجده عن عثمان بل وجدته عن ابن عمر. أخرجه الحاكم من رواية عمر بن نافع عن أبيه أنه قال «جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها لأخيه ، هل تحل للأول؟ قال : لا إلا نكاح رغبة. كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» وقد روى مرفوعا أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس رضى الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المحلل. فقال : لا ، إلا نكاح رغبة غير دلسة ، ولا مستهزئ بكتاب الله تعالى لم يذق العسيلة» وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل ابن أبى حبيبة وهو ضعيف.