أى يستوفون آجالهم ، وهي قراءة على رضى الله عنه. والذي يحكى أن أبا الأسود الدؤلي كان يمشى خلف جنازة ، فقال له رجل : من المتوفى ـ بكسر الفاء ، فقال الله تعالى. وكان أحد الأسباب الباعثة لعلى رضى الله عنه على أن أمره بأن يضع كتابا في النحو ، تناقضه هذه القراءة (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) يعتددن هذه المدّة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام ، وقيل عشراً ذهابا إلى الليالي والأيام داخلة معها ، ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام.
تقول : صمت عشراً (١) ، ولو ذكرت خرجت من كلامهم. ومن البين فيه قوله تعالى : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) ثم (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً)(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) فإذا انقضت عدّتهن (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أيها الأئمة وجماعة المسلمين (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ) من التعرّض للخطاب (بِالْمَعْرُوفِ) بالوجه الذي لا ينكره الشرع. والمعنى أنهن لو فعلن ما هو منكر كان على الأئمة أن يكفوهنّ. وإن فرّطوا كان عليهم الجناح (فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ) هو أن يقول لها إنك لجميلة أو صالحة أو نافقة ومن غرضي أن أتزوّج ، وعسى الله أن ييسر لي امرأة صالحة ، ونحو ذلك من الكلام الموهم أنه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه ، ولا يصرح بالنكاح ، فلا يقول : إنى أريد أن أنكحك ، أو أتزوجك ، أو أخطبك. وروى ابن المبارك عن عبد الله بن سليمان عن خالته قالت : دخل علىَّ أبو جعفر محمد بن على وأنا في عدتي فقال : قد علمت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق جدّى علىّ وقدمي في الإسلام ، فقلت : غفر الله لك! أتخطبنى في عدّتى وأنت يؤخذ عنك؟ فقال : أو قد فعلت! إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعى ، قد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وكانت عند ابن عمها أبى سلمة فتوفى عنها ، فلم يزل يذكر لها منزلته من الله وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدّة تحامله عليها ، فما كانت تلك خطبة (٢). فإن قلت : أى فرق بين الكناية والتعريض؟ قلت : الكناية أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له ، كقولك : طويل النجاد والحمائل لطول القامة (٣)
__________________
ـ لأبى الأسود كان ممن يفهم عنه أنه لا فرق عنده بين الكسر والفتح وهو الظاهر ، وعلى ذلك أجابه أبو الأسود ، فلا تناقض حينئذ.
(١) قال محمود رحمه الله : «تقول : صمت عشراً ... الخ» قال أحمد رحمه الله : ومنه «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر» فغلب الليالي أو كان الصوم غير متصور فيها حتى قالوا : إن شرطة النية وزمانها الليل ، فلهذا جعل لها حظاً في الصوم وغلبها.
(٢) هكذا هو في كتاب النكاح لابن المبارك ورواه الدارقطني من رواية محمد بن الصلت عن عبد الرحمن بن سليمان ـ وهو ابن الغسيل ـ نحوه بتمامه.
(٣) قوله «لطول القامة» لعله : لطويل. (ع)