(وإن طلقتموهن) إلى قوله : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) فقوله : فنصف ما فرضتم : إثبات للجناح المنفي ثمة ، والمتعة درع وملحفة وخمار على حسب الحال عند أبى حنيفة ، إلا أن يكون مهر مثلها أقل من ذلك. فلها الأقل من نصف مهر المثل ومن المتعة ، ولا ينقص من خمسة دراهم ؛ لأن أقل المهر عشرة دراهم فلا ينقص من نصفها. و (الْمُوسِعِ) الذي له سعة. و (الْمُقْتِرِ) الضيق الحال. (وَقَدَّرَهُ) مقداره الذي يطيقه ، لأنّ ما يطيقه هو الذي يختص به. وقرئ بفتح الدال. والقدْر والقدَر لغتان. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل من الأنصار تزوج امرأة ولم يسم لها مهراً ، ثم طلقها قبل أنّ يمسها : «أمتعتها»؟ قال : لم يكن عندي شيء. قال : «متعها بقلنسوتك (١)». وعند أصحابنا لا تجب المتعة إلا لهذه وحدها ، وتستحب لسائر المطلقات ولا تجب. (مَتاعاً) تأكيد لمتعوهن ، بمعنى تمتيعاً (بِالْمَعْرُوفِ) بالوجه الذي يحسن في الشرع والمروءة (حَقًّا) صفة لمتاعا ، أى متاعا واجبا عليهم. أو حق ذلك حقاً (عَلَى الْمُحْسِنِينَ) على الذين يحسنون إلى المطلقات بالتمتيع ، وسماهم قبل الفعل محسنين كما قال صلى الله عليه وسلم «من قتل قتيلا فله سلبه (٢)» (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) يريد المطلقات. فإن قلت : أى فرق بين قولك : الرجال يعفون. والنساء يعفون؟ قلت : الواو في الأوّل ضميرهم ، والنون علم الرفع. والواو في الثاني لام الفعل والنون ضميرهنّ ، والفعل مبنى لا أثر في لفظه للعامل وهو في محل النصب «ويعفو : عطف على محله. و (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) الولىّ (٣)
__________________
(١) لم أجده.
(٢) تقدم في صفحة ٣٥ من هذا الجزء.
(٣) قال محمود رحمه الله : «والذي بيده عقدة النكاح الولي ... الخ» قال أحمد رحمه الله : هذا النقل وهم فيه الزمخشري عن الشافعي رضى الله عنه ، فان مذهبه موافق لمذهب أبى حنيفة رضى الله عنه في أن المراد به الزوج.
وإنما ذهب إلى أن المراد الولي الامام مالك رضى الله عنه ، وصدق الزمخشري أنه قول ظاهر الصحة ، عليه رونق الحق وطلاوة الصواب لوجوه :
الأول : أن الذي بيده عقدة النكاح ثابتة مستقرة هو الولي. وأما الزوج فله ذلك حالة العقد المتقدم خاصة ، ثم هو بعد الطلاق ، والكلام حينئذ ليس من عقدة النكاح في شيء البتة ، فان قيل : أطلق عليه ذلك بعد الطلاق بتأويل «كان» مقدرة ، فلا يخفى على المنصف ما في ذلك من البعد والخروج من حد إطلاق الكلام وأصله.
الثاني : أن الخطاب الأول للزوجات اتفاقا بقوله : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) وفيهن من لا عفو لها البتة كالأمة والبكر ، فلو لا استتمام التقسيم بصرف الثاني إلى الولي على ابنته البكر أو أمته ، وإلا لزم الخروج عن ظاهر عموم الأول ، وحيث حمل الكلام على الولي صار الكلام بمعنى : إلا أن يعفون كن أهلا للعفو ، أو يعفو لهن إن لم يكن أهلا ، ولهذا كان الولي الذي يعفو ويعتبر عفوه عند مالك : هو الأب في ابنته البكر. والسيد في أمته خاصة.
الثالث : أن الكتاب العزيز جدير بتناسب الأقسام وانتظام أطراف الكلام ، والأمر فيه على هذا المحمل بهذه المثابة ، فان الآية حينئذ مشتملة على خطاب الزوجات ثم الأولياء ثم الأزواج بقوله : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) فتكون على هذا الوجه ملية بالفوائد جامعة للمقاصد.