يعنى إلا أن تعفو المطلقات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر ، وتقول المرأة : ما رآني ولا خدمته ولا استمتع بى فكيف آخذ منه شيئا ، أو يعفو الولىّ الذي يلي عقد نكاحهن ، وهو مذهب الشافعي. وقيل هو الزوج ، وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملا ، وهو مذهب أبى حنيفة والأوّل ظاهر الصحة. وتسمية الزيادة على الحق عفواً فيها نظر ، إلا أن يقال كان الغالب عندهم أن يسوق إليها المهر عند التزوّج ، فإذا طلقها استحقّ أن يطالبها بنصف ما ساق إليها ، فإذا ترك المطالبة فقد عفا عنها. أو سماه عفواً على طريق المشاكلة. وعن جبير بن مطعم أنه تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها فأكمل لها الصداق وقال : أنا أحق بالعفو. وعنه أنه دخل على سعد بن أبى وقاص فعرض عليه بنتاً له فتزوّجها ، فلما خرج طلقها وبعث إليها بالصداق كاملا ، فقيل له : لم تزوّجتها؟ فقال : عرضها علىّ فكرهت ردّه ، قيل : فلم بعثت بالصداق؟ قال : فأين الفضل؟ (١) و (الْفَضْلَ) التفضل. أى ولا تنسوا أن يتفضل بعضكم على بعض وتتمرؤا ولا تستقصوا : وقرأ الحسن : أن يعفو الذي ، بسكون الواو. وإسكان الواو والياء في موضع النصب تشبيه لهما بالألف لأنهما أختاها. وقرأ أبو نهيك : وأن يعفو ، بالياء. وقرئ : ولا تنسو الفضل ، بكسر الواو.
__________________
ـ الرابع : أن المضاف إلى صاحب عقدة النكاح العفو كما هو مضاف إلى الزوجات ، والعفو : الاسقاط لغة وهو المراد في الأول اتفاقا ، إذ المضاف إلى الزوجات هو الاسقاط بلا ريب ، ولو كان المراد بصاحب العقدة الزوج لتعين حمل العفو على تكميل المهر وإعطائه ما لا يستحق عليه ، وهذا إنما يطابقه من الأسماء التفضل. ومن ثم قال في خطاب الأزواج (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) لأن المبذول من جهته غير مستحق عليه فهو فضل لا عفو. ولا يقال : لعل الزوج تعجل المهر كاملا قبل الطلاق وطلق فيجب استرجاع النصف فيسقطه ويعفو عنه وحينئذ يبقى العفو من جانب الزوج على ظاهره وحقيقته ، لأنا نقول : حسبنا في رد هذا الوجه ما فيه من الكلفة وتقدير ما الأصل خلافه.
الخامس : أن صدر الآية خطاب للأزواج في قوله : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) إلى قوله : (فَرَضْتُمْ) فلو جاء قوله (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) مراداً به الزوج لكان عدولا والتفاتا من الخطاب إلى الغيبة ، وليس هذا من مواضعه ، ولأجل هذا جاء قوله : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) على صيغة الخطاب ، لأن المراد به الأزواج لخطابهم أولا
السادس : أن قوله : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) وما عطف عليه استثناء من قوله : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) وأصل الكلام : فنصف ما فرضتم واجب عليكم إلا أن يعفو عنه الزوجات فليس بواجب عليكم إذاً ، فإذا حمل الكلام على الولي استقام ، إذ هم لو كملوا المهر لهن فالنصف واجب عليهم ولا يتغير ولا يخالف الحالة المستثناة مما وقع منه الاستثناء ، فلا يجرى الاستثناء على حقيقته في المخالفة بين الأول والثاني ، إلا أن يقال : مقتضى قوله : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) واجب عليكم : أن النصف الآخر غير مؤدى إليهن لأنه ساقط عن الزوج ، فإذا عفا بمعنى كمل المهر فقد صار النصف الآخر مؤدى إليهن ، ففي هذا التأويل من الكلفة ما يسقط مؤنة رده.
(١) أخرجه الطبري من طريق ابن أبى ذئب عن سعيد بن محمد بن جبير عن جده جبير بن مطعم به سواء.