لتفاوت أحوال المنفقين. أو يضاعف سَبع المائة ويزيد عليها أضعافها لمن يستوجب ذلك.
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٢٦٢)
المنّ أن يعتدّ على من أحسن إليه بإحسانه ، ويريد أنه اصطنعه وأوجب عليه حقا له : وكانوا يقولون : إذا صنعتم صنيعة فانسوها. ولبعضهم :
وَإنّ امْرَأً أَسْدَى إلَىَّ صَنِيعَةً |
|
وَذَكّرَنِيهَا مَرَّةً لَلئِيمُ (١) |
وفي نوابغ الكلم : صنوان (٢) من منح سائله ومنّ ، ومن منع نائله وضنّ. وفيها : طعم الآلاء (٣) أحلى من المنّ وهي أمرّ من الآلاء مع المنّ. والأذى : أن يتطاول عليه بسبب ما أزال إليه : ومعنى «ثم» إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المنّ والأذى ، وأنّ تركهما خير من نفس
__________________
(١) يقول : وإن رجلا أعطانى عطية وذكرني بها مرة واحدة ، للئيم. أى بليغ في اللؤم والخسة.
(٢) قال محمود : «في نوابغ الكلم صنوان ... الخ» قال أحمد : «ثم» في أصل وضعها تشعر بتراخي المعطوف بها عن المعطوف عليه في الزمان وبعد ما بينهما ، والزمخشري يحملها على التفاوت في المراتب والتباعد بينهما ، حيث لا يمكنه حملها على التراخي في الزمان لسياق يأبى ذلك كهذه الآية : وحاصله : أنها استعيرت من تباعد الأزمنة لتباعد المرتبة ، وعندي فيها وجه آخر محتمل في هذه الآية ونحوها : وهو الدلالة على دوام الفعل المعطوف بها وإرخاء الطول في استصحابه ، فهي على هذا لم تخرج عن الاشعار ببعد الزمن. ولكن معناها الأصلى تراخى زمن وقوع الفعل وحدوثه ، ومعناها المستعارة إليه دوام وجود الفعل وتراخى زمن بقائه ؛ وعليه حمل قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَقامُوا) أى داموا على الاستقامة دواما متراخيا ممتد الأمد ، وتلك الاستقامة هي المعتبرة ، لا ما هو منقطع إلى ضده من الحيد إلى الهوى والشهوات. وكذلك قوله : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) أى يدومون على تناسى الإحسان وعلى ترك الاعتداد به والامتنان ، ليسوا بتاركيه في أزمنة إلى الاذاية وتقليد المنن بسببه ، ثم يتوبون ، والله أعلم. وقريب من هذا أو مثله أن السين يصحب الفعل لتنفيس زمان وقوعه وتراخيه ، ثم ورد قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ). وقد حكى الله تعالى في مثل هذه الآية (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) فليس إلى حمل السين على تراخى زمان وقوع الهداية له من سبيل ، فيتعين المصير إلى حملها على تنفس دوام الهداية الحاصلة له وتراخى بقائها وتمادى أمدها. ولعل الزمخشري وأشار إلى هذا المعنى في آية إبراهيم عليه السلام ، فأمل هذا الوجه فهو أوجه مما حمل الزمخشري عليه آية البقرة. وهذه الآية أبقى على الحقيقة وأقرب إلى الوضع على أحسن طريقة والله الموفق.
(٣) قوله «وفيها طعم الآلاء» في الصحاح : الآلاء النعم ، واحدها «ألا» بالفتح. وفيه أيضا : الألاء ـ بالفتح ـ شجر حسن المنظر مر الطعم اه. واسم النعم على زنة أسباب. والظاهر أن اسم الشجر على زنة سحاب ، فليحرر ما في النوابغ. (ع)