بِكُمْ) وقيل : وإن تفعلوا شيئا مما نهيتم عنه (عَلى سَفَرٍ) مسافرين. وقرأ ابن عباس وأبىّ رضى الله عنهما كتابا. وقال ابن عباس : أرأيت إن وجدت الكاتب ولم تجد الصحيفة والدواة. وقرأ أبو العالية : كتبا. وقرأ الحسن : كتابا ، جمع كاتب (فرهن) فالذي يستوثق به رهن. وقرئ فرهن بضم الهاء وسكونها ، وهو جمع رهن ، كسقف وسقف. وفرهان. فإن قلت : لم شرط السفر في الارتهان ولا يختص به سفر دون حضر (١) وقد رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه في غير سفر (٢). قلت : ليس الغرض تجويز الارتهان في السفر خاصة ، ولكن السفر لما كان مظنة لإعواز الكتب والإشهاد ، أمر على سبيل الإرشاد إلى حفظ المال من كان على سفر ، بأن يقيم التوثق بالارتهان مقام التوثق بالكتب والإشهاد. وعن مجاهد والضحاك أنهما لم يجوّزاه إلا في حال السفر أخذا بظاهر الآية. وأما القبض فلا بدّ من اعتباره(٣). وعند مالك يصح الارتهان
__________________
(١) قال محمود رحمه الله : «إن قلت : لم شرط السفر في الارتهان ولا يختصّ به سفر ... الخ» قال أحمد رحمه الله : فالتخصيص بالسفر على هذا جرى على وفق الغالب فلا مفهوم له. وفي هذه الآية دليل بين لمذهب مالك رضى الله عنه في إقامة الرهن عند التنازع في قدر الدين مقام شاهد للمرتهن إلى تمام قيمته ، حتى لو تنازعا فقال الراهن : رهنتكه بمائة ، وقال المرتهن : بل الرهن بمائتين ، لكان الرهن شاهداً بقيمته. خلافا للشافعي رضى الله عنه فانه يرى القول قول الراهن مطلقاً ، لأنه غارم ، ووجه الدليل لمالك رضى الله عنه من الآية : أن الله تعالى جعل الرهن في التوثق عوضاً من الاشهاد والكتابة ، وخصه بالسفر لإعوازهما حينئذ ، ولو كان القول قول الراهن شرعا لم يكن قائما مقام الاشهاد ولا مفيداً فائدته بوجه ، إذ لو لم يكن الرهن لكان القول قول المديان في قدر الدين فلم يزد وجود الرهن فائدة على عدمه باعتبار نيابته عن الاشهاد ، ولا يقال : إن فائدته الامتياز به على الغرماء ، لأن تلك فائدة الاشهاد حتى يكون نائباً عنه عند تعذره ، ولا فائدة إذ ذاك إلا جعل القول قول المرتهن في قدر الدين عند التخالف وهو مذهب مالك المقدم ذكره. ومن ثم لم يجعله شاهداً إلا في قيمته لا فيما زاد عليها ، معتضداً بالعادة في أن رب الدين لا يقبل في دينه إلا الموفى بقيمته. فدعوه أن الدين أكثر من القيمة مردودة بالعادة ، والمديان أيضاً لا يسمح بتسليم ما قيمته أكثر فيما هو أقل ، فدعواه أن الدين أقل من القيمة مردودة بالعادة ، ولا يبقى إلا النظر في أمر واحد ، وهو أن المعتبر عند مالك في القيمة يوم الحكم ، حتى لو تصادقا على أن القيمة كانت يوم الرهن أكثر أو أقل لم يلتفت إلى ذلك زادت أو نقصت ، وإنما يعتبر يوم القضاء. ولقائل أن يقول : إذا جعلتم الرهن مقام الشاهد عند عدمه لأن العادة تقتضي أن الناس إنما يرهنون في الديون المساوى قيمته لها ، فينبغي أن تعتبروا القيمة يوم الرهن غير معرجين على زيادتها ونقصانها يوم القضاء ، وعند ذلك يتجاذب أطراف الكلام في أن المقتضى لاقامته مقام الشاهد هو المعنى المتقدم أو غيره. وليس غرضنا إلا أن الآية ترشد إلى إقامته مقام الشهادة في الجملة. وأما تفاصيل المسألة فذلك من حظ الفقه.
(٢) منفق عليه من رواية الأسود بن يزيد عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودى طعاما إلى أجل ورهنه درعا من حديد» وللبخاري من رواية قتادة عن أنس. قال «ولقد رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهودى ، وأخذ منه شعيراً لأهله» اه.
(٣) قال محمود : «وأما القبض فلا بد من اعتباره ... الخ» قال أحمد رحمه الله : ليس بين مالك والشافعي خلاف في صحة الارتهان بالإيجاب والقبول دون القبض ، ولكنه عند مالك رضى الله عنه يصح بذلك ، ويلزم الراهن بالعقد تسليمه للمرتهن. وعند الشافعي لا يلزم بالعقد ولكن للقبض عند مالك اعتبار في الابتداء والدوام ، ولا يشترط ـ