(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً)(٣٩)
(رِئاءَ النَّاسِ) للفخار ، وليقال : ما أسخاهم وما أجودهم ، لا ابتغاء وجه الله. وقيل : نزلت في مشركي مكة المنفقين أموالهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَساءَ قَرِيناً) حيث حملهم على البخل والرياء وكل شر. ويجوز أن يكون وعيداً لهم بأنّ الشيطان يقرن بهم في النار (وَما ذا عَلَيْهِمْ) وأى تبعة ووبال عليهم في الايمان والإنفاق في سبيل الله ؛ والمراد الذم والتوبيخ. وإلا فكل منفعة ومفلحة في ذلك. وهذا كما يقال للمنتقم : ما ضرك لو عفوت. وللعاق : ما كان يرزؤك لو كنت بارا ، وقد علم أنه لا مضرة ولا مرزأة في العفو والبر. ولكنه ذم وتوبيخ وتجهيل بمكان المنفعة (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) وعيد.
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠) فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً)(٤٢)
الذرّة : النملة الصغيرة. وفي قراءة عبد الله : مثقال نملة. وعن ابن عباس : أنه أدخل يده في التراب فرفعه ثم نفخ فيه فقال : كل واحدة من هؤلاء ذرة. وقيل : كل جزء من أجزاء الهباء في الكوّة ذرة. وفيه دليل على أنه لو نقص من الأجر أدنى شيء وأصغره ، أو زاده في العقاب لكان ظلما ، وأنه لا يفعله لاستحالته في الحكمة لا لاستحالته في القدرة (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) وإن يكن مثقال ذرّة حسنة وإنما أنث ضمير المثقال (١) لكونه مضافا إلى مؤنث. وقرئ ـ بالرفع ـ على كان التامة (يُضاعِفْها) يضاعف ثوابها لاستحقاقها عنده الثواب في كل وقت من الأوقات المستقبلة غير
__________________
(١) قال محمود : «وإنما أنث الضمير وهو للمثقال ... الخ» قال أحمد : وقد تقدم له مثل ذلك في قوله : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) وقد بينا ثم أن عوده إلى الحفرة جائز ، بل أولى. وكذلك عوده هاهنا إلى الذرة. ولا يمنع ذلك كون المضاف إليه غير مخبر عنه ، لأن عود الضمير لا يستلزم الاخبار عنه في الكلام الأول. ويجوز : كانت دابتك ، وكل ذلك أسهل من اكتساب المضاف للتأنيث من المضاف إليه. فقد نص أبو على في التعاليق على أنه شاذ.