لأن السكر علة تلحق العقل. أو مفرداً بمعنى : وأنتم جماعة سكرى ، كقولك : امرأة سكرى ، وسكرى بضم السين كحبلى. على أن تكون صفة للجماعة. وحكى جناح بن حبيش : كسلى وكسلى ، بالفتح والضم (وَلا جُنُباً) عطف على قوله : (وَأَنْتُمْ سُكارى) لأن محل الجملة مع الواو النصب على الحال ، كأنه قيل : لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبا. والجنب : يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) استثناء من عامة أحوال المخاطبين. وانتصابه على الحال. فإن قلت : كيف جمع بين هذه الحال والحال التي قبلها؟ قلت : كأنه قيل : لا تقربوا الصلاة في حال الجنابة ، إلا ومعكم حال أخرى تعذرون فيها ، وهي حال السفر. وعبور السبيل : عبارة عنه. ويجوز أن لا يكون حالا ولكن صفة ، لقوله (جُنُباً) أى ولا تقربوا الصلاة جنبا غير عابري سبيل ، أى جنبا مقيمين غير معذورين. فإن قلت : كيف تصح صلاتهم على الجنابة لعذر السفر؟ قلت : أريد بالجنب : الذين لم يغتسلوا كأنه قيل : لا تقربوا الصلاة غير مغتسلين ، حتى تغتسلوا ، إلا أن تكونوا مسافرين. وقال : من فسر الصلاة بالمسجد معناه : لا تقربوا المسجد جنبا إلا مجتازين فيه ، إذا كان الطريق فيه إلى الماء ، أو كان الماء فيه أو احتلمتم فيه. وقيل إن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد ، فتصيبهم الجنابة ولا يجدون ممرّا إلا في المسجد ، فرخص لهم. وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد أن يجلس في المسجد أو يمرّ فيه وهو جنب إلا لعلى رضى الله عنه ، لأن بيته كان في المسجد (١) فإن قلت : أدخل في حكم الشرط أربعة : وهم المرضى ، والمسافرون ، والمحدثون ، وأهل الجنابة فيمن تعلق الجزاء الذي هو الأمر بالتيمم عند عدم الماء منهم. قلت : الظاهر أنه تعلق بهم جميعاً وأنّ المرضى إذا عدموا الماء لضعف حركتهم وعجزهم عن الوصول إليه فلهم أن يتيمموا ، وكذلك السفر إذا عدموه ، لبعده. والمحدثون وأهل الجنابة كذلك إذا لم يجدوه لبعض الأسباب. وقال الزجاج : الصعيد وجه الأرض (٢) ، ترابا كان أو غيره. وإن كان صخراً لا تراب عليه لو ضرب
__________________
(١) أصل هذا الحديث في الترمذي بغير هذا اللفظ. أخرجه من طريق سالم بن أبى حفصة عن عطية عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى «يا على ، لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيرى وغيرك» قال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقد سمعه منى محمد بن إسماعيل اه وقد أخرجه البزار من رواية الحسن بن زياد عن خارجة بن سعد عن أبيه سعد مثله سواء. وقال : لا نعلمه عن سعد إلا بهذا الاسناد ، ثم أخرجه من حديث أبى سعيد كالترمذي. وقال : كان سالم شيعيا ، لكنه لم يترك ولم يتابع على هذا ومعناه : أنه صلى الله عليه وسلم كان منزله في المسجد. وفي الباب عن أم سلمة ، أخرجه الطبري بلفظ «لا ينبغي لأحد أن يجنب في هذا المسجد إلا أنا وعلى» وروى أبو يعلى من حديث ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم سد أبواب المسجد إلا باب على» فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره».
(٢) قال محمود : «الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره ... الخ» قال أحمد : هذا إذا كان الضمير عائدا إلى ـ